والإشارة في الآية أن الخطاب في قوله تعالى : يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} هو خطاب مع الذين آمنوا إيماناً حقيقياً عند خطاب ألست بربكم بقولهم بلى.
وهم أهل الصف الأول يوم الميثاق آمنوا بعدما عاينوا.
وأهل الصف الثاني آمنوا إذ شاهدوا.
وأهل الصف الثالث آمنوا إذ سمعوا الخطاب.
وأهل الصف الرابع آمنوا تقليداً لا تحقيقاً لأنهم ما عاينوا ولا شاهدوا ولا سمعوا خطاب الحق بسمع الفهم والدراية بل سمعوا سماع القهر والنكاية فتحيروا حتى سمعوا جواب أهل الصفوف الثلاثة إذ قالوا بلى فقالوا بتقليدهم بلى فلا جرم ههنا ما آمنوا وهم الكفار وإن آمنوا ما آمنوا على التحقيق بل بالتقليد أو بالنفاق وهم المنافقون.
وأهل الصف الثالث هم المسلمون وعوام المؤمنين فكما آمنوا هناك بسماع الخطاب فكذلك ههنا آمنوا بسماع كقوله تعالى :﴿رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى لِلايمَـانِ أَنْ ءَامِنُوا بِرَبِّكُمْ﴾ (آل عمران : ١٩٣).
وأما أهل الصف الثاني هم خواص المؤمنين وعوام الأولياء فكما أنهم آمنوا هناك إذ شاهدوا فكذلك ههنا آمنوا بشواهد المعرفة كما قال ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَآ أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّا يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا﴾ (المائدة : ٨٣) ومن ههنا قال بعضهم ما نظرت في شيء إلا ورأيت الله فيه.
وأما أهل الصف الأول وهم الأنبياء وخواص الأولياء فكما آمنوا هناك إذ عاينوا فكذلك ههنا إذ عاينوا كقوله تعالى ﴿الرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّه وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ (البقرة : ٢٨٥) وذلك في ليلة المعراج إذ أوحى إلى عبده ما أوحى قال : آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه وكان إيمان موسى عليه السلام نوعاً من هذا فلما أفاق قال :﴿سُبْحَـانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأعراف : ١٤٣).
وقال علي رضي الله عنه : لم أعبد رباً لم أره.
وقال بعضهم : رأى قلبي ربي وقال آخر : ما نظرت في شيء إلا ورأيت الله فيه فخاطب أهل الصف الأول بقوله يا أيها الذين آمنوا تحقيقاً ثم أهبطوا عن ممالك القرب إلى مهالك البعد ومن رياض الإنس إلى سباخ الإنس ﴿إِذَا قُمْتُمْ﴾ من نوم الغفلة انتبهتم من رقدة الفرقة ﴿إِلَى الصَّلَواةِ﴾ هي معراجكم للرجوع إلى مقام قربكم كما قال :
٣٥٣
﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب﴾ (العلق : ١٩) ﴿فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ التي توجهتم بها إلى الدنيا ولطختموها بالنظر إلى الأغيار بماء التوبة والاستغفار ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ أي : واغسلوا أيديكم عن التمسك بالدارين والتعلق بما في الكونين حتى الصديق الموافق والرفيق المرافق.
﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ ببذل نفوسكم ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ أي : واغسلوا أرجلكم عن طين طينتكم والقيام بأنانيتكم كذا في "التأويلات النجمية"، قال الحافظ قدس سره :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥٠
من هما ندم كه وضو ساختم از شمه عشق
ار تكبير زدم يكسره رهره كه هست


الصفحة التالية
Icon