﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ أي : فتطهروا أدغمت تاء التفعل في الطاء لقرب مخرجهما واجتلبت همزة الوصل ليمكن الابتداء فقيل : اطهروا وهذا التطهر عبارة عن الاغتسال والإطهار هو التطهر بالتكلف والمبالغة فلا يكون إلا بغسل جميع ظاهر البدن حتى لو بقي العجين بين أظفاره ويبس لم يجز غسله لأن الماء لا يصل تحته ولو بقي الدرن جاز إلا أن ما تعذر إيصال الماء إليه كداخل العين ساقط بخلاف باطن الأنف والفم حيث يمكن غسلهما ولا ضرر فيه فيجب.
والدلك ليس بفرض لأنه متمم فيكون مستحباً وليس البدن كالثوب لأن النجاسة تخللت فيه دون البدن.
ففرض الغسل غسل الفم والأنف وسائر البدن، وسنته : غسل يديه لكونهما آلة التطهر.
وفرجه لأنه مظنة النجاسة ونجاسة حقيقة إن كانت على سائر بدنه لئلا تتلاشى عند إصابة الماء.
والوضوء وضوءه للصلاة إلا أنه يؤخر غسل رجليه إلى ما بعد صب الماء على جميع بدنه إن كانتا في مستنقع الماء تحرزاً على الماء المستعمل وتثليث الغسل المستوعب هكذا حكي غسل رسول الله.
ويبتدىء بمنكبه الأيمن ثم الأيسر ثم الرأس في الأصح.
وليس على المرأة نقض ضفيرتها ولابلها إن بل أصلها لأن كون الشعر من البدن باعتبار أصوله فيكتفي ببل أصوله فيما فيه حرج وفيما لا حرج فيه يجب إيصال الماء إلى جميعه كالضفيرة المفتولة وحكم المنقوضة ليس كذلك بل يجب إيصال الماء إلى جميعها لعدم الحرج فيها.
والرجل يجب عليه إيصال الماء إلى جميع شعره والفرق أن حلق الشعر للمرأة مثلة دون الرجل والحرج مندفع عنه بغير الضفيرة وأدنى ما يكفي من الماء في الغسل صاع وفي الوضوء مد والصاع ثمانية أرطال والمد رطلان لما روي أن النبي عليه السلام كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد، ثم اختلفوا هل المد من الصاع أو من غيره؟ فهذا ليس بتقدير لازم حتى لو أسبغ الوضوء والغسل بدون ذلك جاز ولو اغتسل بأكثر منه جاز ما لم يسرف فهو المكروه كذا في "الاختيار شرح المختار".
والجنب الصحيح في المصر : إذا خاف الهلاك من الاغتسال جاز له التيمم في قولهم.
وأما المحدث في المصر إذا خاف الهلاك من التوضىء اختلفوا فيه على قول أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ والصحيح أنه لا يباح له التيمم كذا في فتاوى "قاضي خان".
والمرأة إذا وجب عليها الغسل ولم تجد سترة من الرجال تؤخره والرجل إذا لم يجد سترة من الرجال لا يؤخره ويغتسل.
وفي الاستنجاء : إذا لم يجد سترة يتركه والفرق أن النجاسة الحكمية أقوى والمرأة بين النساء كالرجل بين الرجال كذا في "الأشباه" وفي الحديث :"ثلاثة لا تقربهم الملائكة جيفة الكافر والمتضمخ بالخلوف والجنب إلا أن يتوضأ" وفي الحديث :"لا ينقع بول في طست في البيت فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه
٣٥٤
بول منتقع ولا تبولنّ في مغتسلك".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥٠
وفي الاغتسال منافع بدنية وفوائد دينية : منها مخالفة الكفار فإنهم لا يغتسلون وإزالة الدنس والأبخرة الرديئة النفسانية التي تورث بعض الأمراض وتسكين حرارة الشهوات الطبيعية، قال الشيخ النيسابوري في كتاب "اللطائف" : فوائد الطهارة عشر : طهارة الفؤاد وهو صرفه عما سوى الله تعالى، وطهارة السر المشاهدة، وطهارة الصدر الرجاء والقناعة، وطهارة الروح الحياء والهيبة، وطهارة البطن أكل الحلال والعفة عن أكل الحرام والشبهات، وطهارة البدن ترك الشهوات وإزالة الأدناس، وطهارة اليدين الورع والاجتهاد، وطهارة اللسان الذكر والاستغفار.
قال الثعلبي في تفسير هذه الآية : قال علي رضي الله عنه أقبل عشرة من أحبار اليهود فقالوا : يا محمد لماذا أمر الله بالغسل من الجنابة ولم يأمر من البول والغائط وهما أقذر من النطفة فقال صلى الله عليه وسلّم "إن آدم لما أكل من الشجرة تحول في عروقه وشعره فإذا جامع الإنسان نزل من أصل كل شعرة فافترضه الله عليّ وعلى أمتي تطهيراً وتكفيراً وشكراً لما أنعم الله عليهم من اللذة التي يصيبونها".