فينسى كونها نعمة إلهية فتكون إقامة وظائفه اتباعاً لمقتضى الطبيعة فلا تكون عبادة وإنما تكون شكراً لو وقع اتباعاً للأمر.
﴿وَمِيثَـاقَهُ الَّذِى وَاثَقَكُم بِهِ﴾ أي : عهده المؤكد الذي أخذه عليكم وقوله تعالى :﴿إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ ظرف لواثقكم به وفائدة التقييد به تأكيد وجوب مراعاته بتذكير قبولهم والتزامهم بالمحافظة عليه وهو الميثاق الذي أخذه على المسلمين حين بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم على السمع والطاعة في حال اليسر والعسر والمنشط والمكره.
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ في نسيان نعمه ونقض ميثاقه ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُا بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ أي : بخفياتها الملابسة لها ملابسة تامة مصححة لإطلاق الصاحب عليها فيجازيكم عليها فما ظنكم بجليات الأعمال.
واعلم أن أول النعم التي أنعم الله بها على المؤمنين إخراجهم من ظلمة العدم إلى نور الوجود قبل كل موجود وخلقهم في أحسن تقويم لقبول الدين القويم وهدايتهم إلى الصراط المستقيم واستماع الست بربكم وجواب بلى وتوفيقهم للسمع والطاعة ولو لم تكن نعمة التوفيق لقالوا سمعنا وعصينا كما قال أهل الخذلان والعصيان، وعن عبد الرحمن بن عوف بن مالك الأشجعي قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم تسعة أو ثمانية أو سبعة فقالوا : ألا تبايعون رسول الله وكنا حديثي عهد ببيعته فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله قال :"ألا تبايعون رسول الله" فبسطنا أيدينا وقلنا : قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك؟ قال :"أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وتصلوا الصلوات الخمس وتطيعوا أوامره جلية وخفية ولا تسألوا الناس" فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً يناوله إياه حتى يكون هو ينزل فيأخذه.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : بايعني رسول الله صلى الله عليه وسلّم خمساً وأوثقني سبعاً وأشهد الله على سبعاً أن لا أخاف في الله لومة لائم.
وعنه قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم "أوصيك بتقوى الله بسر أمرك وعلانيتك وإذا أسأت فأحسن ولا تسألن أحداً شيئاً وإن سقط سوطك ولا تقبض أمانة"، قال الحافظ الشيرازي :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥٧
وفا وعهد نك باشد اربياموزي
وكرنه هركه توبيني ستمكري داند
اللهم اجعلنا من الموفين بعهودهم آمين.
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَواَّمِينَ} مقيمين لأوامره ومتمسكين بها معظمين لها مراعين لحقوقها ﴿شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ﴾ أي : بالعدل خبر بعد خبر ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ أي ولا يحملنكم يا اأَيُّهَا الَّذِينَ} أي : شدة بغضكم للمشركين ﴿عَلَى أَلا تَعْدِلُوا﴾ أي على ترك العدل فيهم فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل كمثلة وقذف وقتل نساء وصبية ونقض عهد تشفياً مما في قلوبكم ﴿اعْدِلُوا هُوَ﴾ أي العدل ﴿أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ التي أمرتم بها وإذا كان وجوب العدل في حق الكفار بهذه المثابة فما ظنك بوجوبه في حق المسلمين ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ فإنه ملاك الأمر وزاد سفر الآخرة ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُا بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الأعمال فيجازيكم بذلك وحيث كان مضمون هذه الجملة التعليلية منبئاً عن الوعد والوعيد عقب بالوعد لمن يخاف على طاعته تعالى وبالوعيد لمن يخل بها فقيل :﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ﴾ التي من جملتها العدل والتقوى والمفعول الثاني لوعد محذوف وهو الجنة كما صرح به في غير هذا الموضع ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ لذنوبهم
٣٥٨
﴿وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ أي : ثواب عظيم في الجنة وهذه الجملة مفسرة لذلك المحذوف تفسير السبب للمسبب فإن الجنة مسببة عن المغفرة وحصول الأجر فلا محل لها من الإعراب.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥٧
وفا وعهد نك باشد اربياموزي
وكرنه هركه توبيني ستمكري داند
اللهم اجعلنا من الموفين بعهودهم آمين.