يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَواَّمِينَ} مقيمين لأوامره ومتمسكين بها معظمين لها مراعين لحقوقها ﴿شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ﴾ أي : بالعدل خبر بعد خبر ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ أي ولا يحملنكم يا اأَيُّهَا الَّذِينَ} أي : شدة بغضكم للمشركين ﴿عَلَى أَلا تَعْدِلُوا﴾ أي على ترك العدل فيهم فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل كمثلة وقذف وقتل نساء وصبية ونقض عهد تشفياً مما في قلوبكم ﴿اعْدِلُوا هُوَ﴾ أي العدل ﴿أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ التي أمرتم بها وإذا كان وجوب العدل في حق الكفار بهذه المثابة فما ظنك بوجوبه في حق المسلمين ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ فإنه ملاك الأمر وزاد سفر الآخرة ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُا بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الأعمال فيجازيكم بذلك وحيث كان مضمون هذه الجملة التعليلية منبئاً عن الوعد والوعيد عقب بالوعد لمن يخاف على طاعته تعالى وبالوعيد لمن يخل بها فقيل :﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ﴾ التي من جملتها العدل والتقوى والمفعول الثاني لوعد محذوف وهو الجنة كما صرح به في غير هذا الموضع ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ لذنوبهم
٣٥٨
﴿وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ أي : ثواب عظيم في الجنة وهذه الجملة مفسرة لذلك المحذوف تفسير السبب للمسبب فإن الجنة مسببة عن المغفرة وحصول الأجر فلا محل لها من الإعراب.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥٧
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآياتنا﴾ التي من جملتها ما تليت من النصوص الناطقة بالأمر بالعدل والتقوى ﴿أولئك﴾ الموصوفون بما ذكر من الكفر وتكذيب الآيات ﴿أَصْحَـابُ الْجَحِيمِ﴾ ملابسوها ملابسة مؤبدة وفيه مزيد وعد للمؤمنين لأن الوعيد اللاحق بأعدائهم مما يشفي صدورهم ويذهب ما كانوا يجدونه من أذاهم فإن الإنسان يفرح بأن يهدد أعداؤه.
واعلم أن الله تعالى صرح للمؤمنين الأمر بالعدل وبين أنه بمكان من التقوى بعدما نهاهم عن الجور وبين أنه مقتضى الهوى لكون الحامل عليه البغض والشنآن فعلى المؤمن العدل في حق الأولياء والأعداء خصوصاً في حق نفسك وأهلك وأولادك لما ورد "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" ووجد في سرير أنوشروان مكتوباً ـ الملك لا يكون إلا بالإمارة والإمارة لا تكون إلا بالرجال ولا تكون الرجال إلا بالأموال ولا تكون الأموال إلا بالعمارة ولا تكون العمارة إلا بالعدل بين الرعايا والسلطان شريك رعاياه في كل خير عملوه ـ، قال الحافظ :
شاه را به بود از طاعت صد ساله وزهد
قدريك ساعت عمري كه درو داد كند
وفي ترجمة "وصايا الفتوحات" : لمحمد بن واسع (از اكابردين است روزي بر بلال بن برده كه والى وقت بود در آمد واودر عيش بود ويش اوبرف نهاده وبتنعم تمام تشسته محمد بن واسع راكفت يا أبا عبد الله أين خانه مارا ون بيني كفت اين خانه خوش است وليكن بهشت ازين خوشتراست وذكر آتش دوزخ از امثال اين غافل كرداند رسيده ه ميكويى درباب قدر كفت در همراز كان توكه درين مقابر مدفونند فكري بكن تا از قدر رسيدن مشغول شوي كفت براي من دعاكن كفت دعاي من ه ميكنى وبر دركاه توندين مظلومند همه برتو دعا ميكنند ودعاي ايشان بيشتر بالاميرود ظلم مكن وبدعاء من حاجت نيست) ومن كلمات بهلول لهارون حين قال له من أنا قال أنت الذي لو ظلم أحد في المشرق وأنت في المغرب سألك الله عن ذلك يوم القيامة فبكى هارون.
وفي "عين المعاني" العالم لا يدخل على الظَلَمة تحامياً عن الدعاء لهم بالبقاء فورد من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه فلا بد من النصيحة وترك المداهنة وفي الحديث "ما ترك الحق لعمر من صديق" وقال الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥٩
لما ادمت النصح والتحقيقا
لم يتركالي في الوجود صديقاً
قال السعدي قدس سره :
بكوى آنه داني سخن سودمند
وكر هي كس رانيا يد سند
وبالجملة أن العدل من أحسن الأخلاق.
ـ وحكي ـ أن أنوشروان لما مات كان يطاف بتابوته في جميع مملكته وينادي منادي من له علينا حق فليأت فلم يوجد أحد في ولايته له عليه حق من درهم ولذا اشتهر بالعدل اشتهار حاتم بالجود حتى صار العادل لقباً له فلفظ العادل إنما يطلق عليه لعدم جوره وظهور عدله لمجرد المدح والثناء عليه.
وأما سلاطين الزمان
٣٥٩


الصفحة التالية
Icon