فالتوكل من معالي درجات المقربين فعلى المؤمن أن يتحلى بالصفات الحميدة ويسير في طريق الحق بسيرة حسنة، ودخل حكيم على رجل فرأى داراً متجددة وفرشاً مبسوطة ورأى صاحبها خالياً من الفضائل فتنحنح فبزق على وجهه فقال : ما هذا السفه أيها الحكيم فقال : بل هو عين الحكمة لأن البصاق لزق إلى أخس ما كان في الدار ولم أرَ في دارك أخس منك لخلوك عن الفضائل الباطنة فنبه بذلك على دناءته وقبحه لكونه مسترسلاً في لذاته مستغرقاً أوقاته لعمارة ظاهره، قال الحافظ رحمه الله :
قلندران حقيقت بنيم جو نخرند
قباي اطلس آنكس كه از هنر عاريست
ثم اعلم أنّ كل شيء بقضاء الله تعالى وأن الله يختبر عباده بما أراد فعليهم أن يعتمدوا عليه في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعن أبي عثمان قال : كان عيسى عليه السلام يصلي على رأس جبل فأتاه إبليس فقال : أنت الذي تزعم أن كل شيء بقضاء؟ قال : نعم قال : الق نفسك من الجبل وقل قدر عليّ قال : يا لعين الله يختبر العباد وليس العباد يختبرون الله وما على العبد إلا التوكل والشكر على الأنعام.
ومن جملة أنعام الله تعالى الإخراج من ظلمة العدم إلى نور الوجود بأمركن والله يعلم أن رجوع العباد إلى العدم ليس بهم ولا إليهم كما لم يكن خروجهم بهم فإن خروجهم كان بجذبة أمركن فكذلك رجوعهم لا يكون إلا بجذبة أمر ارجعي فعليهم أن يكونوا واثقين بكرم الله وفضله مسارعين في طلب مرضاة الله جاهدين على وفق الأوامر والنواهي في الله ليهديهم إلى جذبات عنايته ولطفه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥٩
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَـاقَ بَنِى إِسْرَاءِيلَ﴾ أي بالله قد أخذ الله عهد طائفة اليهود والالتفات في قوله تعالى :﴿وَبَعَثْنَا مِنُهُمُ اثْنَىْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ للجري على سنن الكبرياء أو لأن البعث كان بواسطة موسى عليه السلام كما سيأتي أي شاهداً من كل سبط ينقب عن أحوال قومه ويفتش عنها أو كفيلاً يكفل عليهم بالوفاء بما أمروا به، وقد روي أن النبي عليه السلام جعل للأنصار ليلة العقبة اثني عشر نقيباً وفائدة النقيب : أن القوم إذا علموا أن عليهم نقيباً كانوا أقرب إلى الاستقامة.
والنقيب والعريف
٣٦١
نظيران وقيل : النقيب فوق العريف، قال في "شرح الشرعة" العريف فعيل بمعنى مفعول وهو سيد القوم والقيم بأمور الجماعة من القبيلة والمحلة يلى أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم وهو دون الرئيس والعرافة كالسيادة لفظاً ومعنى وفي الحديث "العرافة حق ولا بدّ للناس من عرفاء ولكن العرفاء في النار" يعني : أن سيادة القوم جائزة في الشرع لأن بها ينتظم مصالح الناس وقضاء أشغالهم فهي مصلحة ورفق للناس تدعو إليها الضرورة.
وقوله ولكن العرفاء في النار أي أكثرهم فيها إذ المجتنب عن الظلم منهم يستحق الثواب لكن لما كان الغالب منهم خلاف ذلك أجراه مجرى الكل كذا في "شرح المصابيح".
قال السعدي :
رياست بدست كساني خطاست
كه از دستشان دستها بر خداست
مكن تاتواني دل خلق ريش
وكر ميكني ميكني بيخ خويش
نماند ستمكار بد روزكار
بماند برو لعنت ايدار
مها زور مندي مكن بركهان
كه بريك نمط مي نماند جهان
دل دوستان جمع بهتركه كنج
خزينه تهى به كه مردم برنج
بقومي كه نيكي سندد خداي خداي
دهد خسرو عادل نيك راي
و خواهدكه ويران كند عالمي
كند ملك درنه ظالمي
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١