﴿وَقَالَ اللَّهُ﴾ أي : لبني إسرائيل فقط إذ هم المحتاجون إلى الترغيب والترهيب ﴿إِنِّى مَعَكُمْ﴾ أي بالعلم والقدرة والنصرة اسمع كلامكم وارى أعمالكم وأعلم ضمائركم فأجازيكم بذلك وتم الكلام هنا ثم ابتدأ بالجملة الشرطية فقال مخاطباً لبني إسرائيل أيضاً ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَءَاتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِى﴾ أي : بجميعهم واللام موطئة للقسم المحذوف ﴿وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾ أي : نصرتموهم وقويتموهم وأصله الذب وهو المنع والدفع ومنه التعزير ومن نصر إنساناً فقد ذب عنه عدوه يقال عزرت فلاناً أي فعلت به ما يرده عن القبيح ويمنعه عنه ﴿وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ﴾ بالإنفاق في سبيل الخير أو بالتصدق بالصدقات المندوبة فظهر الفرق بين هذا الإقراض وبين إخراج الزكاة فإنها واجبة ﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾ وهو أن يكون من حلال المال وخياره برغبة وإخلاص لا يشوبها رياء ولا سمعة ولا يكدرها من ولا أذى وانتصابه يحتمل أن يكون على المصدرية لأنه اسم مصدر بمعنى أقراضاً كما في ﴿نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا﴾ (آل عمران : ٣٧) بمعنى إنباتاً ويحتمل أن يكون على المفعولية على أنه اسم للمال المقرض ﴿لاكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّـاَاتِكُمْ﴾ جواب للقسم المدلول عليه باللام ساد مسد جواب الشرط ﴿وَلادْخِلَنَّكُمْ جَنَّـاتٍ﴾ أي : بساتين ﴿تَجْرِى مِن تَحْتِهَا﴾ أي : من تحت أشجارها ومساكنها ﴿الانْهَـارُ﴾ الأربعة وأخره لضرورة تقدم التخلية على التحلية ﴿فَمَن كَفَرَ﴾ أي برسلي وبشيء مما عدد في حيز الشرط والفاء لترتيب بيان حكم من كفر على بيان حكم من آمن تقوية للترغيب والترهيب.
﴿بَعْدَ ذالِكَ﴾ الشرط المؤكد المعلق به الوعد العظيم الموجب للإيمان قطعاً ﴿مِّنكُمْ﴾ متعلق بمضمر وقع حالاً من فاعل كفر.
﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ﴾ أي : وسط الطريق الواضح ضلالاً بيناً وأخطأ خطأ فاحشاً لا عذر معه أصلاً بخلا من كفر قبل ذلك إذ ربما يمكن
٣٦٢
أن يكون له شبهة ويتوهم له معذرة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
ـ روي ـ أن بني إسرائيل لما استقروا بمصر بعد مهلك فرعون أمرهم الله تعالى بالمسير إلى أريحا من أرض الشام وهي الأرض المقدسة وكانت لها ألف قرية في كل قرية ألف بستان وكان يسكنها الجبابرة الكنعانيون وقال لهم إني كتبتها لكم داراً قراراً فاخرجوا إليها وجاهدوا من فيها وإني ناصركم وأمر موسى عليه السلام أن يأخذ من كل سبط نقيباً أميناً يكون كفيلاً على قومه بالوفاء بما أمروا به توثقة عليهم فاختار النقباء وأخذ الميثاق على بني إسرائيل وتكفل لهم النقباء وسار بهم فلما دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسسون له الأخبار ويعلمون علمها فرأوا إجراماً عظيمة وقوة وشوكة فهابوا فرجعوا وحدثوا قومهم بما رأوا وقد نهاهم موسى عن ذلك فنكثوا الميثاق الإكالب بن يوقنا نقيب سبط يهودا ويوشع بن نون نقيب سبط افرائيم بن يوسف الصديق عليه السلام قيل : لما توجه النقباء إلى أرضهم للتجسس لقيهم عوج بن عنق وكان طوله ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعاً وثلث وذراع وقد عاش ثلاثة آلاف سنة وكان يحتجز بالسحاب ويشرب منه ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه إليها ثم يأكله ويروى أن الماء طبق ما على الأرض من جبل في طوفان نوح وما جاوز ركبتي عوج وكانت أمه عنق إحدى بنات آدم وكان مجلسها جريباً من الأرض فلما لقي عوج النقباء وعلى رأسه حزمة حطب أخذ اثني عشر نقيباً وجعلهم في الحزمة فانطلق بهم إلى امرأته وقال انظري إلى هؤلاء الذين يزعمون قتالنا فطرحهم بين يديها وقال : ألا أطحنهم برجلي فقال : لا بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ففعل ذلك.