قتال قتل منهم خلقاً كثيراً فأراد أن يحتال بحيلة يلقي بها بينهم القتال فيقتل بعضهم بعضاً فجاء إلى النصارى وجعل نفسه أعور وقال لهم ألا تعرفونني فقالوا : أنت الذي قتلت ما قتلت منا وفعلت ما فعلت فقال : قد فعلت ذلك كله والآن تبت لأني رأيت عيسى عليه الصلاة والسلام في المنام نزل من السماء فلطم وجهي لطمة فقأ عيني فقال : أي شيء تريد من قومي؟ فتبت على يده ثم جئتكم لأكون بين ظهرانيكم وأعلمكم شرائع دينكم كما علمني عيسى عليه السلام في المنام فاتخذوا له غرفة فصعد تلك الغرفة وفتح كوة إلى الناس في الحائط وكان يتعبد في الغرفة وربما كانوا يجتمعون إليه ويسألونه ويجيبهم من تلك الكوة وربما يأمرهم بأن يجتمعوا ويناديهم من تلك الكوة ويقول لهم بقول كان في الظاهر منكراً وينكرون عليه فكان يفسر ذلك القول تفسيراً يعجبهم ذلك فانقادوا كلهم له وكانوا يقبلون قوله بما يأمرهم به فقال يوماً من الأيام : اجتمعوا عندي فقد حضرني علم فاجتمعوا فقال لهم : أليس خلق الله تعالى هذه الأشياء في الدنيا كلها لمنفعة بني آدم قالوا : نعم فقال : لم تحرمون على أنفسكم هذه الأشياء يعني الخمر والخنزير وقد خلق لكم ما في الأرض جميعاً؟ فأخذوا قوله فاستحلوا الخمر والخنزير فلما مضى على ذلك أيام دعاهم وقال : حضرني علم فاجتمعوا فقال لهم : من أي ناحية تطلع الشمس فقالوا من قبل المشرق فقال : ومن أي ناحية يطلع القمر والنجوم فقالوا من قبل المشرق فقال : ومن يرسلهم من قبل المشرق قالوا : الله تعالى فقال : فاعلموا أنه تعالى في قبل المشرق فإن صليتم له فصلوا إليه فحول صلاتهم إلى المشرق فلما مضى على ذلك أيام دعا بطائفة منهم وأمرهم بأن يدخلوا عليه في الغرفة وقال لهم : إني أريد أن أجعل نفسي الليلة قرباناً لأجل عيسى وقد حضرني علم فأريد أن أخبركم في السر لتحفظوا عني وتدعوا الناس إلى ذلك بعدي ويقال أيضاً إنه أصبح يوماً وفتح عينه الأخرى ثم دعاهم وقال لهم : جاءني عيسى الليلة وقال : قد رضيت عنك فمسح يده على عيني فبرئت والآن أريد أن أجعل نفسي قرباناً له ثم قال : هل يستطيع أحد أن يحيي الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص إلا الله تعالى فقالوا : لا فقال : إن عيسى قد فعل هذه الأشياء فاعلموا أنه هو الله تعالى فخرجوا من عنده ثم دعا بطائفة أخرى فأخبرهم بذلك أيضاً وقال إنه كان ابنه ثم دعا بطائفة ثالثة وأخبرهم بذلك أيضاً وقال : إنه ثالث ثلاثة وأخبرهم أنه يريد أن يجعل نفسه الليلة قرباناً فلما كان بعض الليالي خرج من بين ظهرانيهم فأصبحوا وجعل كل فريق يقول قد علمني كذا وكذا وقال الفريق الآخر أنت كاذب بل علمني كذا وكذا فوقع بينهم القتال فاقتتلوا وقتلوا خلقاً كثيراً وبقيت العداوة بينهم إلى يوم القيامة وهم ثلاث فرق منهم النسطورية قالوا : المسيح ابن الله والثانية الملكانية قالوا : إن الله تعالى ثالث ثلاثة المسيح وأمه والله والفرقة الثالثة اليعقوبية قالوا : إن الله هو المسيح، قال جلال الدين رومي قدس سره :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
در تصور ذات اورا كنج كو
تادر آيد درتصور مثل او
كر بغايت نيك وكربد كفته اند
هره زو كفتند ازخود كفته اندمي مكن ندين قياس اي حق شناس
زانكه نايد ذات بيون درقياس فعلى المؤمن أن يلاحظ قوله تعالى :﴿وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ وأن يشتغل بنفسه عن
٣٦٨
غيره وفي الحديث "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة" يعني : من لم يجد شيئاً يتقي به النار فليتق منها بقول حسن يطيب به قلب المسلم فإن الكلمة الطيبة من الصدقات.


الصفحة التالية
Icon