وقصته أنه كان مع قومه يسكنون بلاد عدن فخرجت نار عظيمة من مغارة فأهلكت الزرع والضرع فالتجأ إليه قومه فأخذ خالد يضرب تلك النار بعصاه حتى رجعت هاربة منه إلى المغارة التي خرجت منها ثم قال لأولاده : إني أدخل المغارة خلف النار لأطفئها وأمرهم أن يدعوه بعد ثلاثة أيام تامة فإنهم إن نادوه قبل ثلاثة أيام فهو يخرج ويموت وإن صبروا ثلاثة أيام يخرج سالماً فلما دخل صبروا يومين واستفزهم الشيطان فلم يصبروا ثلاثة أيام فظنوا أنه هلك فصاحوا به فخرج خالد من المغارة وعلى رأسه ألم حصل من صياحهم فقال : ضيعتموني وأضعتم قولي ووصيتي وأخبرهم بموته وأمرهم أن يقبروه ويرقبوه أربعين يوماً فإنه يأتيهم قطيع من الغنم يتقدمه حمار أبتر مقطوع الذنب فإذا حاذى قبره ووقف فلينبشوا عليه قبره فإنه يقوم ويخبرهم بأحوال البرزخ والقبر عن يقين ورؤية فانتظروا أربعين يوماً فجاء القطيع وتقدمه حمار أبتر فوقف حذاء قبره فهمّ مؤمنوا قومه أن ينبشوا عليه فأبى أولاده خوفاً من العار لئلا يقال لهم أولاد المنبوش قبره فحملتهم الحمية الجاهلية على ذلك فضيعوا وصيته وأضاعوه فلما بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جاءته بنت خالد فقال عليه السلام :"مرحباً بابنة نبي أضاعه قومه" وإنما أمر خالد أن ينبش عليه ليسأل ويخبر أن الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدنيا فيعلم بذلك الأخبار صدق الرسل كلهم بما أخبروا به في حياتهم الدنيا فكان غرض خالد عليه السلام إيمان العالم كله بما جاءت به الرسل من أحوال القبر والمواطن والمقامات البرزخية ليكون رحمة
٣٧٤
للجميع فإنه تشرف بقرب نبوته من نبوة محمد عليه السلام وعلم خالد أن الله أرسله رحمة للعالمين ولم يكن خالد برسول فأراد أن يحصل من هذه الرحمة في الرسالة المحمدية على حظ أوفر ولم يؤمر بالتبليغ فأراد أن يحظي في البرزخ بذلك التبليغ من مقام الرسالة ليكون أقوى في العلم في حق الخلق أي ليعلم قوة علمه بأحوال الخلائق في البرزخ فأضاعه قومه وإنما وصف النبي قومه بأنهم أضاعوا نبيهم أي وصية نبيهم حيث لم يبلغوه مراده من أخباره أحوال القبر كذا في "الفصوص" وشروحه واتفق العلماء على أنه صلى الله عليه وسلّم ولد بمكة عام الفيل في عاشر شهر ربيع اول في ليلة يوم الإثنين منه فلما تشرف العالم وجوده الشريف وعنصره اللطيف أضاءت قلوب الخلق واستنارت فهداهم الله به عليه السلام فابصره من أبصر وعمي من عمي وبقي في الكفر والضلال.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
دركار خانه عشق از كفرنا كزيرست
آتش كرا بسوزد كر بولهب نباشد
وإنما أضاف تعالى الرسول إلى نفسه وقال رسولنا وما أضاف إليهم لأن فائدة رسالته لم تكن راجعة إليهم ولما خاطب هذه الأمة وأخبرهم عن مجيىء الرسول ما أضافه إلى نفسه وإنما جعله من أنفسهم فقال :﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ (التوبة : ١٢٨) لأن فائدة رسالته كانت راجعة إلى أنفسهم كما في "التأويلات النجمية"، فعلى المؤمن أن يقتفي أثر الرسول صلى الله عليه وسلّم ويتفكر في الوعد والوعيد فقد جاء البشير والنذير بحيث لم يبق للاعتذار مجال أصلاً.
ـ وروي ـ أن جبير بن مطعم قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلّم بالجحفة فقال :"أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله وأن القرآن جاء من عند الله" فقلنا بلى قال :"فابشروا فإن هذا القرآن طرفه بيده الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبداً" ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ أي : اذكر يا محمد لأهل الكتاب ما حدث وقت قول موسى لبني إسرائيل ناصحاً لهم.
يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أي : إنعامه عليكم ﴿إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنابِيَآءَ﴾ في وقت جعله فيما بينكم من أقربائكم أنبياء فارشدكم وشرفكم بهم ولم يبعث في أمة من الأمم ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء وكثرة الأشراف والأفاضل في القوم شرف وفضل لهم ولا شرف أعظم من النبوة ﴿وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا﴾ أي : جعل فيكم أو منكم ملوكاً كثيرة فإنه قد تكاثر فيهم الملوك تكاثر الأنبياء وجعل الكل في مقام الامتنان عليهم ملوكاً لما أن أقارب الملوك يقولون عند الفاخرة نحن الملوك، وقال السعدي وجعلكم أحراراً تملكون أنفسكم بعدما كنتم في أيدي القبط في مملكة فرعون بمنزلة أهل الجزية قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني أصحاب خدم وحشم وكانوا أول من ملك الخدم ولم يكن لمن قبلهم خدم وقال بعضهم من له امرأة يأوي إليها ومسكن يسكنه وخادم يخدمه فهو من الملوك وكذا من كان مسكنه واسعاً وفيه ماء جار فهو ملك ﴿وَءَاتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَـالَمِينَ﴾ من البحر وإغراق العدو وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغير ذلك مما آتاهم الله من الأمور العظام والمراد بالعالمين الأمم الخالية إلى زمانهم
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١


الصفحة التالية
Icon