أي إلا طاعة نفسي وأخي ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا﴾ يريد نفسه وأخاه والفاء لترتيب الفرق والدعاء به على ما قبله ﴿وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَـاسِقِينَ﴾ الخارجين عن طاعتك المصرين على عصيانك بأن تحكم لنا بما نستحقه وعليهم بما يستحقون ﴿قَالَ﴾ الله تعالى ﴿فَإِنَّهَا﴾ أي الأرض المقدسة ﴿مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾ تحريم منع لا تحريم تعبد وتكليف لا يدخلونها ولا يملكونها لأن كتابتها لهم كانت مشروطة بالإيمان والجهاد وحيث نكصوا على أدبارهم حرموا ذلك وانقلبوا خاسرين.
﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ ظرف لمحرمة فالتحريم مؤقت بهذه المدة لا مؤبد فلا يكون مخالفاً لقوله تعالى :﴿كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ فالمراد بتحريمها عليهم أنه لا يدخلها أحد منهم في هذه المدة لكن لا بمعنى أن كلهم يدخلونها بعدها بل بعضهم ممن بقي ﴿يَتِيهُونَ فِى الأرْضِ﴾ أي يتحيرون في البرية استئناف لبيان كيفية حرمانهم ﴿فَلا تَأْسَ﴾ فلا تحزن والأسى الحزن ﴿عَلَى الْقَوْمِ الْفَـاسِقِينَ﴾.
ـ روي ـ أنه عليه السلام ندم على دعائه عليهم فقيل : لا تندم ولا تحزن عليهم فإنهم أحقاء بذلك لفسقهم فلبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ وهم ستمائة ألف مقاتل وكانوا يسيرون كل يوم جادين فإذا امسكوا كانوا في الموضع الذي ارتحلوا منه وكان الغمام يظللهم من حر الشمس ويطلع بالليل عمود من نور يضيىء لهم وينزل عليهم المن والسلوى ولا تطول شعورهم وإذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظفر يطوله وماؤهم من الحجر الذي يحملونه وهذه الإنعامات عليهم مع أنهم معاقبون لما أن عقابهم كان بطريق الفرك والتأديب وأصح الأقاويل أن موسى وهارون كانا معهم في التيه ولكن كان ذلك لهما روحاً وسلامة كالنار لإبراهيم وملائكة العذاب.
قال في "التأويلات النجمية" : والتعجب في أن موسى وهارون بشؤم معاملة بني إسرائيل بقيا في التيه أربعين سنة وبنوا إسرائيل ببركة كرامتهما ظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى في التيه ليعلم أثر بركة صحبة الصالحين وأثر شؤم صحبة الفاسقين انتهى، قال الحافظ :
ملول همر هان بودن طريق كارداني نيست
بكش دشوارىءم منزل بياد عهد آساني
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
ـ روي ـ أن موسى عليه السلام خرج من التيه بعد أربعين سنة وسار بمن بقي من بني إسرائيل إلى أريحا وكان يوشع بن نون على مقدمته فحارب الجبابرة وفتحها وأقام بها ما شاء الله ثم قبضه الله ولا يعلم قبره إلا الله وهذا أصح الأقاويل لاتفاق العلماء على أن عوج بن عنق قتله موسى عليه السلام، قال السدي في وفاة هارون : إن الله أوحى إلى موسى أني متوفى هارون فائت به جبل كذا وكذا فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل فإذا بشجرة لم ير مثلها فإذا بيت مبني وفيه سرير عليه فرش وإذا فيه ريح طيبة فلما نظر هارون إلى ذلك أعجبه وقال : يا موسى إني أحب أن أنام على هذا السرير قال : فنم عليه فلما نام جاء ملك الموت فقال : يا موسى خدعتني فلما قبض رفع البيت وذهبت تلك الشجرة ورفع السرير به إلى السماء فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل وليس معه هارون قالوا : إن موسى قتل هارون وحسده على حب بني
٣٧٧
إسرائيل إياه فقال لهم موسى : ويحكم كان أخي أفتروني أقتل أخي فلما كثروا عليه صلى ركعتين ثم دعا فنزل السرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : صعد موسى وهارون الجبل فقال بنو إسرائيل : أنت قتلته فآذوه فأمر الله الملائكة فحملوه حتى مروا به على بني إسرائيل وتكلمت الملائكة بموته حتى عرفت بنو إسرائيل أنه قد مات فبرأه الله مما قالوا ثم أن الملائكة حملوه ودفنوه فلم يطلع على موضع قبره أحد إلا الرخم فجعله الله أصم وأبكم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١


الصفحة التالية
Icon