ـ روي ـ أنه لما قتله تركه بالعراء أي الأرض الخالية عن الأشجار ولم يدر ما يصنع به لأنه كان أول ميت على وجه الأرض من بني آدم فخاف عليه السباع فحمله في جراب على ظهره أربعين يوماً أو سنة حتى أروح وعفت عليه الطيور والسباع تنظر متى يرمي به فتأكله فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر فحفر له فمنقاره ورجليه حفرة فألقاه فيها وواراه وقابيل ينظر إليه وكأنه قيل فماذا قال عند مشاهدة حال الغراب؟ فقيل :﴿قَالَ يا وَيْلَتَى﴾ هي كلمة جزع وتحسر والألف بدل من ياء المتكلم والمعنى يا ويلتي احضري فهذا أوانك والنداء وإن كان أصله لمن يتأتى منه الإقبال وهم العقلاء إلا أن العرب تتجوز وتنادي ما لا يعقل إظهاراً للتحسر ومثله يا حسرة على العباد والويل والويلة الهلكة ﴿أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ﴾ أي : عن أن أكون ﴿مِثْلَ هَـاذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِىَ سَوْءَةَ أَخِى﴾ تعجب من عدم اهتدائه إلى ما اهتدى إليه الغراب وقوله : فأواري بالنصب عطف على أكون أي أعجزت عن كوني مشبهاً بالغراب فموارياً ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ النَّـادِمِينَ﴾ أي : على قتله لما كان من التحير في أمره وحمله على رقبته مدة طويلة وغير ذلك فلما كان ندمه لأجل هذه الأسباب لا للخوف من الله بسبب ارتكاب المعصية لم يكن ندمه توبة ولم ينتفع بندمه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
ـ روي ـ أنه لما قتل ابن آدم أخاه رجفت الأرض بما عليها سبعة أيام ثم شربت الأرض دمه كشرب الماء فناداه الله أين أخوك هابيل قال : ما أدري ما كنت عليه رقيباً فقال الله تعالى إن دم أخيك ليناديني من الأرض فلم قتلت أخاك؟ قال : فأين دمه إن كنت قتلته فحرم الله تعالى علي الأرض يومئذٍ أن تشرب دماً بعده أبداً.
قال مقاتل : كان قبل ذلك يستأنس السباع والطيور والوحوش فلما قتل قابيل هابيل نفروا فلحقت الطيور بالهواء والوحوش بالبرية والسباع بالغياض واشتاك الشجر وتغيرت الأطعمة وحمضت الفواكه وأمر الماء واغبرت الأرض فقال آدم : قد حدث في الأرض حدث فأتى الهند فإذا قابيل قد قتل هابيل وكان جسد قابيل أبيض قبل ذلك فاسود فسأله آدم عن أخيه فقال : ما كنت عليه وكيلاً قال : بل قتلته ولذلك اسود جسدك ومكث آدم حزيناً على قتل ولده مائة سنة لا يضحك وأنشأ يقول وهو أول من قال الشعر :
تغيرت البلاد ومن عليها
فوجه الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي لون وطعم
وقل بشاشة الوجه الصبيح
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ من قال إن آدم قال شعراً فقد كذب إن محمداً والأنبياء كلهم في النهي عن الشعر سواء ولكن لما قتل قابيل هابيل رثاه آدم وهو سرياني فلما قال آدم
٣٨١
مرثية قال لشيث يا بني إنك وصي احفظ هذا الكلام ليتوارث فيرق الناس عليه فلم يزل ينقل حتى وصل إلى يعرب بن قحطان وكان يتكلم بالعربية والسريانية وهو أول من خط بالعربية وكان يقول الشعر فنظر إلى المرثية فرد المقدم إلى المؤخر والمؤخر إلى المقدم فوزنه شعراً وزيد فيه أبيات منها :
ومالي لا أجود بسكب دمع
وهابيل تضمنه الضريح
أرى طول الحياة علي نقما
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١


الصفحة التالية
Icon