فهل أنا من حياتي مستريح ـ وروي ـ عن أنس رضي الله عنه أنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلّم عن يوم الثلاثاء فقال :"يوم الدم فيه حاضت حواء وفيه قتل ابن آدم أخاه" فلما مضى عن عمر مائة وثلاثون سنة وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ولدت له حواء شيئاً وتفسيره هبة الله يعني أنه خلف من هابيل علمه الله تعالى ساعات الليل والنهار وأعلمه عبادة الخلق في كل ساعة منها وأنزل عليه خمسين صحيفة وصار وصى آدم وولي عهده.
وأما قابيل فقيل له اذهب طريداً شريداً فزعاً مرعوباً لا تأمن من تراه فأخذ بيد أخته إقليماً وهرب بها إلى عدن من أرض اليمن فأتاه إبليس فقال له إنما أكلت النار فانصب أنت أيضاً ناراً تكون لك ولعقبك فبنى بيت النار وهو أول من عبد النار وكان لا يمر به أحد إلا رماه فأقبل ابن له أعمى ومعه ابن له فقال للأعمى ابنه هذا أبوك قابيل فرمى الأعمى أباه بحجارة فقتله فقال ابن الأعمى قتلت أباك فرفع يده فلطم ابنه فمات فقال الأعمى ويل لي قتلت أبي برميتي وقت ابني بلطمتي.
قال مجاهد فعقلت إحدى رجلي قابيل إلى فخذها وساقها وعلقت من يومئذٍ إلى يوم القيامة وجهه إلى الشمس حيثما دارت عليه في الصيف حظيرة من نار وفي الشتاء حظيرة من ثلج وهو أول من عصى الله في الأرض من ولد آدم وهو أول من يساق إلى النار وفي الحديث :"لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها" لأنه أول من سن القتل وهو أب يأجوح ومأجوج شر أولاد توالدوا من شر والد.
قالوا واتخذ أولاد قابيل آلات اللهو من اليراع والطبول والمزامير والعيدان والطنابير وانهمكوا اللهو وشرب الخمر وعبادة النار والزنى والفواحش حتى غرقهم الله بالطوفان أيام نوح وبقي نسل شيث، وفي التواريخ لما ذهب قابيل إلى سمت اليمن كثروا وخلفوا وطفقوا يتحاربون مع أولاد آدم يسكنون في الجبال والمغارات والغياض إلى زمن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث ففرقهم مهلاييل إلى أقطار الأرض وسكن هو في أرض بابل وكان كيو مرث أخاه الصغير وهو أول السلاطين في العالم فأخذوا يبنون المدن والحصون واستمر الحرب بينهم إلى آخر الزمان.
واعلم أن الكدر لا يرتفع من الدنيا وإنما يرتفع التكدر عن قلوب أهل الله تعالى كالنار والماء لا يرتفعان أبداً لكن يرتفع إحراق النار لبعض كما وقع لإبراهيم عليه السلام وإغراق الماء لبعض كما وقع لموسى عليه السلام والدنيا تذهب على هذا فطوبى لمن رضي وصبر.
قال الحافظ :
٣٨٢
درين من كل بيخار كس نيد أرى
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
راغ مصطفوي باشرار يولهبيست
وله :
مكن زغصه شكايت كه در طريق طلب
براحتي نرسيد آنكه زحمتي نكشيد
والإشارة في الآيات أن آدم الروح بازدواجه مع حواء القلب ولد قابيل النفس وتوأمته أقليما الهوى في بطن أولاً ثم ولد هابيل القلب وتوأمته ليوذا العقل وكان إقليما الهوى في غاية الحسن لأن القلب يميل إلى طلب المولى وما عنده وهو محبب إليه وكان ليوذا العقل في نظر هابيل القلب في غاية القبح والدمامة لأن القلب به يعقل عن طلب الحق والفناء في الله ولهذا قيل العقل عقيلة الرجال وفي نظر قابيل النفس أيضاً في غاية القبح لأن النفس به تعقل عن طلب الدنيا والاستهلاك فيها فالله تعالى حرم الازدواج بين التوأمين كليهما وأمر بازدواج توأمة كل واحد منهما إلى توأم الأخرى لئلا يعقل القلب عن طلب الحق بل يحرضه الهوى على الاستهلاك والفناء في الله ولهذا قال بعضهم : لولا الهوى ما سلك أحد طريقاً إلى الله فإن الهوى إذا كان قرين النفس يكون حرصاً فيه تنزل النفس إلى أسفل سافلين الدنيا وبعد المولى وإذا كان قرين القلب يكون عشقاً فيه يصعد القلب إلى أعلى عليين العقبى وقرب المولى ولهذا سمي العشق هوى كما قال الشاعر :
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى
فصادف قلبي فارغاً فتمكنا


الصفحة التالية
Icon