ولو عفا الأولياء لا يلتفت إلى ذلك لأنه حق الشرع ولا فرق بين أن يكون القتل بآلة جارحة أو لا ﴿أَوْ يُصَلَّبُوا﴾ أي : يصلبوا مع القتل إن جمعوا بين القتل والأخذ بأن يصلبوا أحياء وتبعج بطونهم برمح إلى أن يموتوا ولا يصلبوا بعدما قتلوا لأن الصلب حياً أبلغ في الردع والزجر لغيره عن الإقدام على مثل هذه المعصية ﴿أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَـافٍ﴾ أي : أيديهم اليمنى من الرسغ وأرجلهم اليسرى من الكعب إن اقتصروا على أخذ مال من مسلم أو ذمي وكان في المقدار بحيث لو قسم عليهم أصاب كلاً منهم عشرة دراهم أو ما يساويها قيمة أما قطع أيديهم فلأخذ المال وأما قطع أرجلهم فلإخافة الطريق بتفويت أمنه ﴿أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأرْضِ﴾ إن لم يفعلوا غير الإخافة والسعي للفساد والمراد بالنفي عندنا هو الحبس فإنه نفي عن وجه الأرض بدفع شرهم عن أهلها ويعزرون أيضاً لمباشرتهم منكر الإخافة وإزالة الأمن.
﴿ذَالِكَ لَهُمْ خِزْىٌ﴾ كائن ﴿فِى الدُّنْيَا﴾ أي : ذل وفضيحة.
قوله :﴿ذَالِكَ﴾ مبتدأ ولهم خبر مقدم على المبتدأ وهو الخزي والجملة خبر لذلك.
﴿وَلَهُمْ فِى الاخِرَةِ﴾ غير هذا ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ لا يقادر قدره لغاية عظم جنايتهم.
فقوله تعالى لهم خبر مقدم وعذاب مبتدأ مؤخر وفي الآخرة متعلق بمحذوف وقع حالاً من عذاب لأنه في الأصل صفة له فلما قدم انتصب حالاً أي كائناً في الآخرة ﴿إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ استثناء مخصوص بما هو من حقوق الله عز وجل كما ينبىء عنه قوله تعالى :﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أما ما هو من حقوق الآدميين فإنه لا يسقط بهذه التوبة فإن قطاع الطريق إن قتلوا إنساناً ثم تابوا قبل القدرة عليهم يسقط بهذه التوبة وجوب قتلهم حداً وكان ولي الدم على حقه في القصاص والعفو وإن أخذوا مالاً ثم تابوا قبل القدرة عليهم يسقط بهذه التوبة وجوب قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وكان حق صاحب المال باقياً في ماله وجب عليهم رده وأما إذا تاب بعد القدرة عليه فظاهر الآية أن التوبة لا تنفعه ويقام الحد عليه في الدتيا كما يضمن حقوق العباد وإن سقط عنه العذاب العظيم في العقبى.
والآية في قطاع المسلمين لأن توبة المشرك تدرأ عنه العقوبة قبل القدرة وبعدها يعني أن المشرك المحارب لو آمن بعد القدرة عليه فلا سبيل عليه بشيء من الحدود ولا يطالب بشيء مما أصاب في حال الكفر من دم أو مال كما لو آمن قبل القدرة عليه.
وأما المسلمون المحاربون فمن تاب منهم قبل القدرة عليه أي قبل أن يظفر به الإمام سقطت عنه العقوبة التي وجبت حقاًولا يسقط ما كان من حقوق العباد فإن كان قد قتل في قطع الطريق سقط عنه بالتوبة قبل القدرة عليه تحتم القتل ويبقى عليه القصاص لولي القتل إن شاء عفا عنه وإن شاء استوفاه وإن كان قد أخذ المال يسقط عنه القطع وإن كان جمع بينهما يسقط عنه تحتم القتل والصلب ويجب ضمان المال.
وقال بعضهم إذا جاء تائباً قبل القدرة عليه لا يكون لأحد تبعة في دم ولا مال إلا أن يوجد معه مال بعينه فيرده على صاحبه.
روي عن علي رضي الله عنه أن الحارث بن بدر جاءه تائباً بعدما كان يقطع الطريق ويسفك الدماء ويأخذ الأموال فقبل توبته ولم يجعل عليه تبعة أصلاً وأما من تاب بعد القدرة عليه فلا يسقط عنه شيء من الحقوق.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
اعلم أن قطع الطريق وإخافة المسافرين من أقبح السيآت كما أن دفع الأذى عن الطريق من أحسن الصالحات وفي الحديث :"عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها
٣٨٦
فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط على الطريق ووجدت في مساوي أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن" وفي الحديث "من أشار إلى أخيه" أي : أخيه المسلم والذمي في حكمه "بحديدة" أي بما هو آلة القتل لأنه جاء في رواية "بسلاح" مكان بحديدة "فإن الملائكة تلعنه" يعني : تدعو عليه بالبعد عن الجنة أول الأمر لأنه خوف مسلماً بإشارته وهو حرام لقوله عليه الصلاة والسلام :"لا يحل لمسلم أن يروع المسلم" أو لأنه قد يسبقه السلاح فيقتله كما صرح به في رواية مسلم "لا يشر أحدكم إلى أخيه فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده وإن كان أخاه" أي : المشير أخا المشار إليه "لأبيه وأمه" يعني فإن كان هازلاً ولم يقصد ضربه كنى به عنه لأن الأخ الشقيق لا يقصد قتل أخيه غالباً.


الصفحة التالية
Icon