والإشارة في الآية أن محاربة الله ورسوله معاداة أولياء الله فإن في الخبر الصحيح حكاية عن الله تعالى :"من عادى لي ولياً فقد بارزني بالحرب وإني لأغضب لأوليائي كما يغضب الليث لجروه" ألا يرى أن بلعم بن باعوراء في زمن موسى عليه السلام كان بحيث إذا نظر رأى العرش فلما مال إلى الدنيا وأهلها ميلة واحدة ولم يترك لولي من أوليائه حرمة واحدة سلب الله معرفته وجعله بمنزلة الكلب المطرود فجزاء مثل هذا المحارب أن يقتل بسكين الخذلان أو يصلب بحبل الهجران على جذع الحرمان أو تقطع أيديه عن أذيال الوصال وأرجله من خلاف عن الاختلاف أو ينفي من أرض القربة والائتلاف فله في الدنيا بعد وهوان وفي الآخرة عذاب القطيعة والهجران إلا الذين تابوا إلى الله واستغفروا واعتذروا عن أولياء الله من قبل أن تقدروا عليهم برد الولاية أيها الأولياء فإن ردهم رد الحق وقبولكم قبول الحق وأن مردود الولاية مفقود العناية.
قال الحافظ :
كليد كنج سعادت قبول أهل دلست
مبادكس كه درين نكته شك وريب كند
وفي "المثنوي" :
لا جرم آتراه بر تو بسته شد
ون دل أهل دل ازتو خسته شد
زود شان درياب واستغفار كن
همو ابري كريها وزار كن
تاكلستان شان سوى توبشكفد
ميوهاي بخته بر خود واكفد
هم بران در كرد كم ازسك مباش
باسك كهف ارشد ستى خواجه تاش
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} أي : اخشوا عذابه واحذروا معاصيه.
﴿وَابْتَغُوا﴾ أي : اطلبوا لأنفسكم ﴿إِلَيْهِ﴾ أي إلى ثوابه والزلفى منه ﴿الْوَسِيلَةَ﴾ أي : القربة بالأعمال الصالحة.
قوله تعالى :﴿إِلَيْهِ﴾ متعلق بالوسيلة قدم عليها للاهتمام وليست بمصدر حتى يمتنع أن يتقدم معمولها عليها بل هي فعيلة بمعنى ما يتوسل به ويتقرب إلى الله تعالى من وسل إلى كذا تقرب إليه والجمع الوسائل.
وقال عطاء الوسيلة أفضل درجات الجنة وفي الحديث "سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا ينالها إلا عبد واحد وأرجو من الله أن يكون هو أنا" وفي الحديث "من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة".
قال المولي الفناري في تفسير الفاتحة : أما الوسيلة فهي أعلى درجة في جنة عدن وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلّم حصلت له
٣٨٧
بدعاء أمته فعل ذلك الحق سبحانه لحكمة أخفاها فإنا بسببه نلنا السعادة من الله وبه كنا خير أمة أخرجت للناس وبه ختم الله بنا الأمم كما ختم به النبيين وهو صلى الله عليه وسلّم مبشر كما أمر أن يقول ولنا وجه خاص إلى الله تعالى نناجيه منه ويناجينا وكذا كل مخلوق له وجه خاص إلى ربه فأمرنا عن أمر الله أن ندعو له بالوسيلة حتى ينزل فيها بدعاء أمته وهذا من باب الغيرة الإلهية انتهى ﴿وَجَـاهِدُوا فِى سَبِيلِهِ﴾ بمحاربة الأعداء الظاهرة والباطنة ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ بالوصول إلى الله والفوز بكرامته.
والإشارة في الآية أن الله تعالى جعل الفلاح الحقيقي في أربعة أشياء : أحدها الإيمان وهو إصابة رشاشة النور في بدء الخلقة وبه يخلص العبد من حجب ظلمة الكفر، وثانيها التقوى وهو منشأ الأخلاق المرضية ومنبع الأَمال الشرعية وبه يخلص العبد من ظلمة المعاصي، وثالثها ابتغاء الوسيلة وهو فناء الناسوتية في بقاء اللاهوتية وبه يتخلص العبد من ظلمة أوصاف الوجود، ورابعها الجهاد في سبيل الله وهو اضمحلال الأنانية في إثبات الهوية وبه يتخلص العبد من ظلمة الوجود ويظفر بنور الشهود فالمعنى الحقيقي يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} بإصابة النور ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ بتبديل الأخلاق الذميمة ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ في إفناء الأوصاف ﴿وَجَـاهِدُوا فِى سَبِيلِهِ﴾ ببذل الوجود ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ بنيل المقصود من المعبود كذا في "التأويلات النجمية".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
واعلم أن الآية الكريمة صرحت بالأمر بابتغاء الوسيلة ولا بد منها البتة فإن الوصول إلى الله تعالى لا يحصل إلا بالوسيلة وهي علماء الحقيقة ومشايخ الطريقة، قال الحافظ :
قطع اين مرحله بي همرهى خضر مكن
ظلماتست بترس از خطر كمراهي
والعمل بالنفس يزيد في وجودها وأما العمل وفق إشارة المرشد ودلالة الأنبياء والأولياء فيخلصها من الوجود ويرفع الحجاب ويوصل الطالب إلى رب الأرباب.
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي : كنت أنا وصاحب لي قد أوينا إلى مغارة لطلب الدخول إلى الله وأقمنا فيها ونقول يفتح لنا غداً أو بعد غد فدخل علينا يوماً رجل ذو هيبة وعلمنا أنه من أولياء الله فقلنا له : كيف حالك فقال : كيف يكون حال من يقول يفتح لنا غداً أو بعد غدٍ يا نفس لِمَ لا تعبدين الله ؟ فتيقظنا وتبنا إلى الله وبعد ذلك فتح علينا فلا بد من قطع التعلق من كل وجه لينكشف حقيقة الحال.
قال الحافظ :
فداي دوست نكرديم عمر مار دريغ


الصفحة التالية
Icon