واعلم أن السرقة هي أخذ مكلف خفية قدر عشرة دراهم مضروبة من حرز لا ملك له فيه ولا شبهته فاحترز بالمكلف عن أخذ صبي ومجنون وبالخفية وهو ركن السرقة عن الغصب وقطع الطريق.
وقوله قدر عشرة دراهم أي عيناً أو قيمة وهذا نصاب السرقة في حق القطع وأما في حق العيب فأخذ ما دون العشرة يعد سرقة أيضاً شرعاً ويعد عيباً حتى يرد العبد به على بائعه وعند الشافعي نصاب السرقة ربع دينار ولنا قوله عليه السلام :"لا قطع إلا في ربع دينار أو في عشرة دراهم" والأخذ بالأكثر أولى احتيالاً لدرا الحد والمعتبر في هذه الدراهم ما يكون عشرة منها وزن سبعة مثاقيل واحترز بالمضروبة عما قيمته دونها حتى إذا سرق تبرا عشرة لا يساوي عشرة مضروبة لا يجب القطع وقوله من حرز أي من مال ممنوع من أن يصل إليه يد الغير سواء كان المانع بناء أو حافظاً.
قال البغوي : إذا سرق شيئاً من غير حرز كثمر في حائط لا حارس له أو حيوان في برية لا حافظ له أو متاع في بيت منقطع عن البيوت لا قطع عليه وقيد بقوله ولا شبهته لأنه لو كان له شبهة في المسروق كما إذا سرق من بيت المال أوفى الحرز كما إذا سرق من بيت أذن للناس بالدخول فيه كالحمام والرباط لا يقطع لأن القطع يندرىء بالشبهة وكذا لا قطع بسرقة مال سيده لوجود الإذن بالدخول عادة وكذا بسرقة مال زوجته أو زوجها ولو من حرز خاص لآخر لا يسكنان فيه لأن اليد المبسوطة لكل من الزوجين في مال الآخر ثابتة وهو مانع عن القطع وكذا لا قطع بسرقة مال من بينهما قرابة ولاء لجريان الانبساط بين الأصول والفروع بالانتفاع في المال والدخول في الحرز ولا بسرقة من بيت ذي رحم محرم
٣٩١
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
ولو كان المسروق مال غيره لعدم الحرز ويقطع يمين السارق من زنده وهو مفصل الذراع في الكف ويحسم بأن يدخل في الذهن الحار بعد القطع لقطع الدم لأنه لو لم يحسم لافضى إلى التلف والحد زاجر لا متلف ولهذا لا يقطع في الحر الشديد والبرد الشديد وإن سرق ثانياً بعدما قطعت يده اليمنى تقطع رجله اليسرى من المفصل وإن سرق ثالثاً لا يقطع بل يحبس حتى يتوب ويظهر عليه سيما الصالحين والتائبين لقول علي رضي الله عنه فيمن سرق ثلاث مرات إني لأستحيى من الله أن لا أدع له يداً يأكل بها ويستنجي ورجلاً يمشي عليها وفي الحديث :"اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" وفيه دليل على أن التوبة يعلم أثرها وتثبت السرقة بما يثبت به شرب الخمر أي بالشهادة أو بالإقرار مرة ونصابها رجلان لأن شهادة النساء غير مقبولة في الحدود وطلب المسروق منه شرط القطع لأن الخيانة على ملك الغير لا تظهر إلا بخصومته ولا فرق في القطع بين الشريف والوضيع، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : سرقت امرأة مخزومية فأراد النبي صلى الله عليه وسلّم أن يقطع يدها فاستشفع لها أسامة بن زيد وكان النبي عليه الصلاة والسلام يحبه فلم يقبل وقال :"يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" وفي الحديث نهيُّ عن الشفاعة في الحدود بعد بلوغ الإمام ولهذا رد رسول الله صلى الله عليه وسلّم شفاعة أسامة وأما قبله فالشفاعة من المجني عليه جائزة والستر على الذنب مندوب إذا لم يكن صاحب شر وأذى، قال السعدي :
س رده بيند عملهاي بد
هم اورده وشد ببالاي خود
وفي الحديث أيضاً دلالة على وجوب العدل في الرعية وإجراء الحكم على السوية، قال الإمام أبو منصور : فإن قيل ما الحكمة في قطع يد قيمتها ألوف بسرقة عشرة دراهم فكيف يكون قطعها جزاء لفعل السارق وقد قال تعالى :﴿وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا﴾ (الأنعام : ١٦٠) قلنا : جزاء الدنيا محنة يمتحن بها المرء ولله تعالى أن يمتحن بما شاء ابتداء أي من غير أن يكون ذلك جزاء على كسب العبد ولأن القطع ليس بجزاء ما أخذ من المال ولكن لما هتك من الحرمة ألا يرى أنه قال جزاء بما كسبا فيجوز أن يبلغ جزاء هتك تلك الحرمة قطع اليد وإن قصر على العشرة علم ذلك لأن مقادير العقوبات إنما يعلمها من يعلم مقادير الجنايات وإذا كان الأمر كذلك فالحق التسليم والانقياد انتهى.
ونعم ما قال يونس بن عبيد في باب الترهيب : لا تأمن من قطع في خمسة دراهم خير عضو منك أن يكون عذابه هكذا غداً كما في "منهاج العابدين"، فعلى العاقل أن يتوب عن الزلل وينقطع عن الحيل ويتوجه إلى الله الأعلى الأجل، وفي "المثنوي" :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
حيلها وارها كر ازدهاست
يش الا الله آنها جمله لاستقفل زفتست وكشانيده خدا
دست در تسليم زن اندر رضا ثم إن الله تعالى إنما بدأ بالسارق في هذه الآية قبل السارقة وفي آية الزنى بدأ بالزانية لأن السرقة تفعل بالقوة والرجل أقوى من المرأة والزنى يفعل بالشهوة والمرأة أكثر شهوة
٣٩٢