والمرأة أدعى من الرجل إلى نفسها منه إليها ولهذا لو اجتمع جماعة على امرأة لم يقدروا عليها إلا بمرادها ولهذا قيل : قال الله تعالى :﴿وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّه فَغَوَى﴾ (طه : ١٢١) ولم يقل : وعصت حواء مع أنها أكلت قبل آدم ودعته إلى الأكل وقيل إنما قطعت يد السارق لأنها باشرت ولم يقطع ذكر الزاني للمباشرة خوفاً لقطع النسل وتحصيل أيضاً لذة الزنى بجميع البدن.
قال النيسابوري : قطعت يد السارق لأنها أخذت المال الذي هو يد الغني وعماده كأنه أخذ يد إنسان فجزوا يده لتناولها حق الغير وقيل : قال الله تعالى :﴿وَلِلَّهِ خَزَآاـاِنُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ (المنافقون : ٧) فكل ما عند العبد من مال فهو خزانة الحق عنده والعبد خازنه فمهما تعدى خزانة مولاه بغير إجازة استحق السياسة بقطع آلة التعدي إلى خيانة خزانته وهي اليد المتعدية، ثم إن السرقة كما تكون من المال كذلك تكون من العبادات وفي الحديث "أسوء الناس سرقة الذي يسرق من صلاته" قالوا : يا رسول الله كيف يسرق من صلاته؟ قال :"لا يتم ركوعها ولا سجودها" وفي الحديث "إن الرجل ليصلي ستين سنة وما تقبل له صلاة" لعله يتم الركوع ولا يتم السجود ويتم السجود ولا يتم الركوع كذا في "الترغيب والترهيب" فمثل هذا المصلي يقطع يمينه عن نيل الوصال فلا يصل إلى مراده بل يبقى في الهجران والقطيعة إذ هو أساء الأدب بل قصر فيما أمر الرب سبحانه وتعالى يا اأَيُّهَا الرَّسُولُ} خاطبه صلى الله عليه وسلّم بعنوان الرسالة للتشريف ﴿لا يَحْزُنكَ الَّذِينَ﴾ أي : صنع الذين فان الذوات مع قطع النظر عن العوارض لا توجب الحزن والفرح ﴿يُسَـارِعُونَ فِى الْكُفْرِ﴾ أي : يقعون في الكفر سريعاً في إظهاره إذا وجدوا منه فرصة والمقصود نهيه عليه السلام عن أن يتحزن بصنيعهم بناء على أنه تعالى ناصره عليهم والمعنى لا تحزن ولا تبال بتهافتهم في الكفر سريعاً ﴿مِنَ الَّذِينَ﴾
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
بيان للمسارعين في الكفر ﴿قَالُوا ءَامَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ متعلق بقالوا والفائدة في بيان تعلقه بالأفواه مع أن القول لا يكون إلا بالفم واللسان الإشارة إلى أن ألسنتهم ليست معبرة عما في قلوبهم وأن ما يجرون على ألسنتهم لا يجاوز أفواههم وإنما نطقوا به غير معتقدين له بقلوبهم ﴿وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ﴾ جملة حالية من ضمير قالوا جيء بها للتصريح بما أشار إليه بقوله بأفواههم ﴿وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا﴾ عطف على من الذين قالوا وبه يتم بيان المسارعين في الكفر بتقسيمهم إلى قسمين : المنافقين واليهود ﴿سَمَّـاعُونَ﴾ خبر مبتدأ محذوف والتقدير هم أي المنافقون واليهود سماعون ﴿لِلْكَذِبِ﴾ اللام إما لتقوية العمل وإما لتضمن السماع معنى القبول وأما لام كي والمفعول محذوف والمعنى هم مبالغون في سماع الكذب أو في قبول ما تفتريه أحبارهم من الكذب على الله سبحانه وتحريف كتابهم أو سماعون أخباركم وأحاديثكم ليكذبوا عليكم بالزيادة والنقص والتبديل فإن منهم من يسمع من الرسول عليه السلام ثم يخرج ويقول : سمعت منه كذا وكذا ولم يسمع ذلك منه ﴿سَمَّـاعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ﴾ خبر ثان للمبتدأ المقدر مقرر للأول ومبين لما هو المراد بالكذب على الوجهين الأولين واللام مثل اللام في سمع الله لمن حمده في الرجوع إلى معنى من أي قبل منه حمده والمعنى مبالغون في قبول كلام قوم آخرين ﴿لَمْ يَأْتُوكَ﴾ صفة أخرى لقوم أي لم يحضروا مجلسك وتجافوا عنك تكبراً وإفراطاً في البغضاء قيل هم يهود خيبر
٣٩٣
والسماعون بنو قريظة ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنا بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾ صفة أخرى لقوم أي يميلونه ويزيلونه عن مواضعه بعد أن وضعه الله فيها إما لفظاً بإهماله أو تغيير وصفه وإما بحمله على غير المراد وإجرائه في غير مورده ﴿يَقُولُونَ﴾ صفة أخرى لقوم أي يقولون لأتباعهم السماعين لهم عند إلقائهم إليهم أقاويلهم الباطلة مشيرين إلى كلامهم الباطل ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ﴾ من جهة الرسول ﴿هَـاذَآ﴾ المحرف ﴿فَخُذُوهُ﴾ واعملوا بموجبه فإنه الحق ﴿وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ﴾ بل أوتيتم غيره ﴿فَاحْذَرُوا﴾ قبوله وإياكم وإياه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١