لما أخبرته فأمر بهما النبي صلى الله عليه وسلّم فرجما عند باب المسجد وقال :"اللهم إني أول من أحيي أمرك إذ أماتوه" فأنزل الله تعالى يا اأَيُّهَا الرَّسُولُ} الآية ﴿وَمَنْ﴾ شرطية ﴿يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ﴾ أي : ضلالته أو فضيحته كائناً من كان ﴿فَلَن تَمْلِكَ لَهُ﴾ فلن تستطيع له ﴿مِنَ اللَّهِ شَيْـاًا﴾ في دفعها ﴿أولئك﴾ المنافقون واليهود ﴿الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ أي من رجس الكفر وخبث الضلالة لانهماكهم فيهما وإصرارهم عليهما وإعراضهم عن صرف اختيارهم إلى تحصيل الهداية بالكلية ﴿لَهُمْ﴾ أي : للمنافقين واليهود ﴿فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ﴾ أما المنافقون فخزيهم فضيحتهم وهتك سترهم بظهور نفاقهم فيما بين المسلمين وأما خزي اليهود فالذل والجزية والافتضاح بظهور كذبهم في كتمان نص التوراة ﴿وَلَهُمْ فِى الاخِرَةِ﴾ أي : مع الخزي الدنيوي ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ هو الخلود في النار ﴿سَمَّـاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ تكرير لما قبله ﴿أَكَّـالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ أي الحرام كالرشى من سحته إذا استأصله لأنه مسحوت البركة ﴿فَإِن جَآءُوكَ﴾ الفاء فصيحة أي : وإذا كان حالهم كما شرح فإن جاءوك متحاكمين إليك فيما شجر بينهم من الخصومات ﴿فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ بيان لحال الأمرين أثر التخيير ﴿فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْـاًا﴾ من الضرر بأن يعادوك لإعراضك عنهم فإن الله يعصمك من الناس ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ﴾ بالعدل الذي أمرت به كما حكمت بالرجم ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ العادلين فيحفظهم من كل مكروه ومحذور ويعظم شأنهم وفي الحديث "المقسطون عند الله على منابر من نور" ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاـاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ﴾ تعجيب من تحكيمهم لمن لا يؤمنون به وبكتابه والحال أن الحكم منصوص عليه في كتابهم الذي يدعون الإيمان به وتنبيه على أنهم ما قصدوا بالتحكيم معرفة الحق وإقامة الشرع وإنما طلبوا به ما هو أهون عليهم وإن لم يكن ذلك حكم الله على زعمهم وفيها حكم الله حال من التوراة أو رفعها بالظرف وإن جعلتها مبتدأ فمن ضميرها المستكن فيه ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ﴾ عطف على يحكمونك داخل في حكم التعجب وثم للتراخي في الرتبة ﴿مِنا بَعْدِ ذَالِكَ﴾ أي : من بعد ما حكموك وهو تصريح بما علم قطعاً لتأكيد الاستبعاد والتعجب أي ثم يعرضون عن حكمك والموافق لكتابهم من بعدما رضوا بحكمك ﴿وَمَآ أُولَئكَ﴾ الموصوفون بما ذكر ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ أي : بكتابهم لإعراضهم عنه أولاً وعن حكمك الموافق لكتابهم ثانياً أو بك وبه.
وفي الآية : ذم للظلم ومدح للعدل وقدح في الحرام والرشوة وفي الحديث :"كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به" وفيه "لعن الله الراشي والمرتشي والرائش" وأراد بالرائش الذي يمشي بينهما، وفي "المثنوي" :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
أي بسا مرغى رنده دانه جو
كه بريده حلق أوهم حلق أو
أي بسا ما هي درآب دور دست
كشته ازحرص كلوا مأخوذ شست
أي بسا مستور دررده بده
شومى فرج وكلو ربو اشده
أي بسا قاضي حبر نيك خو
از كلوى رشوتي اوزرد رو
بلكه در هاروت وماروت آن شراب
از عروج جر خشان شد سد باب
ذكر في "أدب القاضي" للخصاف : الرشوة على أربعة أوجه : إما أن يرشوه لأنه قد خوفه فيعطيه
٣٩٥