فينبغي للعاقل أن لا يضيع أيامه، قال الحكيم : بكودكي بازي.
بجوان مستي.
به يري سسني.
خدارا كي رستي.
فإذا تم شغلك بالشريعة فاجتهد في الطريقة وهي باطن الشريعة واقتد بأولي الألباب فإنه كما أن لكل نبي شرعة ومنهاجاً كذلك لكل ولي طريقة مسلوكة مخصوصة وقد ضل من ضل منارهم يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} خطاب يعم حكمه كافة المؤمنين من المخلصين وغيرهم وإن كان سبب وروده بعضاً منهم إذ روي أن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم إن لي موالي من اليهود كثيراً عددهم وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولايتهم وأوالي الله ورسوله فقال عبد الله بن أبي إني رجل أخاف الدوائر لا أبرأ من ولاية مواليّ وهم يهود بني فينقاع فقال تعالى :﴿لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَـارَى أَوْلِيَآءَ﴾ أي لا تتخذوا أحداً منهم ولياً بمعنى لا تصافوهم ولا تعاشروهم مصافاة الأحباب ومعاشرتهم لا بمعنى لا تجعلوهم أولياء لكم حقيقة فإنه أمر ممتنع في نفسه لا يتعلق به النهي.
﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ أي : بعض كل فريق من ذينك الفريقين أولياء بعض آخر من ذلك الفريق لا من الفريق الآخر لأنه لا موالاة بين فريقي اليهود والنصارى رأساً والكل متفقون على الكفر مجمعون على مضارتكم ومضاركم فكيف يتصور بينكم وبينهم موالاة ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ﴾ أي : من يتخذهم أولياء ﴿فَإِنَّه مِنْهُمْ﴾ أي : هو على دينهم ومعهم في النار وهذا إذا تولاهم لدينهم وأما الصحبة لمعاملة شراء شيء منهم أو طلب عمل منهم مع المخالفة في الاعتقاد والأمور الدينية فليس فيه هذا الوعيد، قال المولى أبو السعود : وفيه زجر شديد للمؤمنين عن إظهار صورة الموالاة لهم وإن لم تكن موالاة في الحقيقة ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ﴾ تعليل لكون من يتولاهم منهم أي لا يرشد الذين ظلموا أنفسهم بترك إخوانهم المؤمنين وبموالاة أعداء الله بل يخليهم وشأنهم فيقعون في الكفر والضلالة اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك، قال الحافظ :
درره عشق ازان سوى فناصد خطرست
تانكوى كه و عمرم بسر آمدرستم
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
﴿فَتَرَى﴾ يا محمد أو كل من له أهلية للخطاب رؤية بصرية ﴿الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ أي : مرض النفاق ورخاوة العقد في الدين.
﴿يُسَـارِعُونَ فِيهِمْ﴾ حال من الموصول أي
٤٠٢
مسارعين في موالاتهم ومعاونتهم وإيثار في على إلى للدلالة على أنهم مستقرون في الموالاة وإنما مسارعتهم من بعض مراتبها إلى بعض آخر منها والمراد بهم عبد الله بن أبي وأضرابه الذين كانوا يسارعون في موادة اليهود ونصارى نجران وكانوا يعتذرون إلى المؤمنين بأنهم لا يؤمنون أن تصيبهم صروف الزمان كما قال تعالى :﴿يَقُولُونَ﴾ معتذرين ﴿نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ﴾ وهو حال من ضمير يسارعون والدائرة من الصفات الغالبة التي لا يذكر معها موصوفها أي يدور علينا دائرة من دوائر الدهر ودولة من دوله بأن ينقلب الأمر وتكون الدولة للكفار وقيل : نخشى أن يصيبنا مكروه من مكاره الدهر كالجدب والقحط فلا يعطونا الميرة والقرض ولعلهم كانوا يظهرون للمؤمنين أنهم يريدون بالدوائر المعنى الأخير ويضمرون في أنفسهم المعنى الأول.
﴿فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِىَ بِالْفَتْحِ﴾ رد من جهة الله تعالى لعللهم الباطلة وقطع لأطماعهم الفارغة وتبشير للمؤمنين بالظفر فإن عسى منه سبحانه وعد محتوم لما أن الكريم إذا أطمع أطعم لا محالة فما ظنك بأكرم الأكرمين.
والمراد بالفتح فتح مكة أو فتح قرى اليهود من خيبر وفدك أو هو القضاء الفصل بنصره عليه السلام على من خالفه وإعزاز الدين.
قال الحدادي : وسمي النصر فتحاً لأن فيه فتح الأمر المغلق ﴿أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ﴾ بقطع شأفة اليهود من القتل والأجلاء.
والشأفة : قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوى وتذهب يقال في المثل : استأصل الله شأفته أي أذهبه الله كما ذهب تلك القرحة بالكي ﴿فَيُصْبِحُوا﴾ أي أولئك المنافقون المتعللون بما ذكر ﴿عَلَى مَآ أَسَرُّوا فِى أَنفُسِهِمْ نَـادِمِينَ﴾ وهو ما كانوا يكتمون في أنفسهم من الكفر والشك في أمره صلى الله عليه وسلّم ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ عند ظهور ندامة المنافقين وهو كلام مبتدأ مسوق لبيان كمال سوء حال الطائفة المذكورة أي ويقول الذين آمنوا مخاطبين لليهود مشيرين إلى المنافقين الذين كانوا يوالونهم ويرجون دولتهم ويظهرون لهم غاية المحبة وعدم المفارقة في السراء والضراء عند مشاهدتهم لخيبة رجائهم وانعكاس تقريرهم بوقوع ضد ما كانوا يترقبون ويتعللون به تعجيباً للمخاطبين من حالهم وتعريضاً بهم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١


الصفحة التالية
Icon