﴿أَهَـاؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ﴾ أي : بالنصرة والمعونة كما قالوا فيما حكي عنهم ﴿وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ﴾ (الحشر : ١١) فاسم الإشارة مبتدأ وما بعده خبره والمعنى إنكار ما فعلوه واستبعاده وتخطئتهم في ذلك والخطاب في معكم لليهود من جهة المؤمنين.
وجهد الإيمان أغلظها وهو في الأصل مصدر ونصبه على تقدير واقسموا بالله يجهدون جهد إيمانهم فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه ولا يبالى بتعريفه لفظاً لأنه مأول بنكرة أي مجتهدين في أيمانهم أو على المصدر أي أقسموا أقسام اجتهاد في اليمين.
﴿حَبِطَتْ أَعْمَـالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَـاسِرِينَ﴾ جملة مستأنفة مسوقة من جهته تعالى لبيان مآل ما صنعوه من ادعاء الولاية والإقسام على المعية في المنشط والمكره أثر الإشارة إلى بطلانه بالاستفهام الإنكاري أي بطلت أعمالهم التي عملوها في شأن الموالاة وسعوا في ذلك سعياً بليغاً حيث لم يكن لليهود دولة فغبنوا بما صنعوا من المساعي وتحملوا من مكاره المشاق، قال الحافظ :
اسم أعظم بكند كار خود اي دل خوش باش
كه بتلبيس وحيل ديو سليمان نشود
٤٠٣
واعلم أن للحق دولة وللباطل صولة والباطل يفور ثم يغور.
فعلى المؤمن أن لا يميل إلى جانب الباطل وأهله أصلاً كائناً من كان.
ـ روي ـ عن أبي موسى الأشعري أنه قال : قلت لعمر بن الخطاب : إن لي كاتباً نصرانياً فقال : ما لك؟ قاتلك الله ألا اتخذت حنيفاً أما سمعت قوله تعالى يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَـارَى أَوْلِيَآءَ} قلت له دينه ولي كتابه قال : لا تكرموهم إذ أهانهم الله ولا تأمنوهم إذ خونهم الله ولا تدنوهم إذ أقصاهم الله.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
ـ وروي ـ أنه قال لا قوام للبصرة إلا به فقال : مات النصراني والسلام يعني هب أنه مات فما كنت تكون صانعاً حينئذٍ فاصنعه الساعة واستغن عنه بغيره، قال الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر : شاهدت في دمشق أن الرجال والنساء كانوا يوالون النصارى ويسامحون في المعاملة ويذهبون بأطفالهم وصغارهم إلى الكنائس ويرشون عليهم بطريق التبرك من ماء المعمودية وهذا كفر والعياذ بالله والمعمودية ماء للنصارى أصفر كانوا يغمسون فيه أولادهم ويعتقدون أنه تطهير للمولود كالخنان لغيرهم وقس عليه تعظيم نوروز النصارى وإهداء شيء في ذلك اليوم إليهم والمشاركة معهم ويلزم الحسبة في بعض الأمور قطعاً لعرق الموالاة، وفي "ملتقطة الناصري" ولا أدع المشرك يضرب البربط، قال محمد : كل شيء أمنع من المسلم فإني أمنع من المشرك إلا الخمر والخنزير ولكن يمنع أهل الكفر من إدخال الخمور والخنازير في الأسواق على سبيل الشهرة لأن فيها استخفافاً للمسلمين وما صالحناهم ليستخفوا بالمؤمنين وإن حضر لهم عيد لا يخرجون فيه صليبهم ويمنعون من إظهار بيع المزامير والطنبور وإظهار الغناء وغير ذلك مما منع منه المسلم ويمنعون من إحداث الكنيسة، قال عليه الصلاة والسلام :"لا خصاء في الإسلام ولا كنيسة" والمراد بالخصاء خصاء بني آدم فيجوز خصاء البهائم وبه نقول فكما يجوز ذبح الحيوان لحاجة الناس إلى لحمه فكذلك يجوز خصاء الحيوان إذا كان في ذلك منفعة للناس، فإن قلت لم لا يجوز خصاء بني آدم وفيه منفعة أيضاً، قيل : لا منفعة فيه لأنه لا يجوز للخصي أن ينظر إلى النساء كما لا يجوز للفحل كذا في "بستان العارفين"، ثم اعلم أن النفس والشيطان والقوى الشريرة في وجود الإنسان كاليهود والنصارى فكما أنه يلزم مجانبتهم وعدم موالاتهم لأن الله تعالى عاداهم وأمر بمعاداتهم فكذلك ما ذكر من النفس وغيرها لا يجوز موالاتها والحمل على هواها لأنها تسوق إلى النار نار جهنم ونار القطيعة فالمؤمن مأمور بالمعاداة لمن عادى الله تعالى مطلقاً وإلا لم يصح إيمانه، وفي "المثنوي" :
آنه در فرعون بود اندر توهست
ليك ازدرهات محبوس هست
ه خرابت ميكند نفس لعين
دور مي اندازدت سخت اين قرين
آتشت را هيزم فرعون نيست
زانكه ون فرعون اوراعون نيست
يعني : أن فرعون ساعده أسباب الدعوى والهوى ولذلك قال ما قال وفعل ما فعل وأما أنت فليس لك الأسباب مساعدة ولا تجد عوناً في هواك ولذا لا تظهر صورة ما أظهره يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ} هذا من الكائنات التي أخبر عنها القرآن قبل وقوعها.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
ـ روي ـ أنه ارتد عن الإسلام إحدى عشرة فرقة ثلاث في عهد رسول الله صلى الله عليه
٤٠٤