وسلّم بنو مدلج ورئيسهم ذو الخمار وهو أسود العنسي كان كاهناً تنبأ باليمن واستولى على بلاده حتى أخرج عمال رسول الله صلى الله عليه وسلّم مثل معاذ بن جبل وسادات اليمن فكتب عليه السلام إلى معاذ بن جبل ومن معه من المسلمين وأمرهم أن يحثوا الناس على التمسك بدينهم وعلى النهوض إلى حرب الأسود فقتله فيروز الديلمي على فراشه قال ابن عمر فأتى الخبر النبي عليه السلام من السماء الليلة التي قتل فيها فقال عليه الصلاة والسلام :"قتل الأسود البارحة قتله رجل مبارك" قيل ومن هو قال :"فيروز" فبشر عليه السلام أصحابه بهلاك الأسود وقبض عليه السلام من الغد وأتى خبر مقتل العنسي المدينة في آخر شهر ربيع الأول وكان ذلك أول فتح جاء أبا بكر رضي الله عنه والفرقة الثانية من المرتدين بنو حنيفة باليمامة ورئيسهم مسيلمة الكذاب وكان قد تنبأ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم في آخر سنة عشر من الهجرة زعم أنه أشرك مع رسول الله في النبوة وكتب إلى النبي عليه السلام من مسلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك وبعث بذلك الكتاب رجلين من أصحابه فقال لهما رسول الله عليه السلام :"لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما" ثم أجاب "من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب أما بعد : فإن الأرضيورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين" فمرض عليه السلام وتوفي فبعث أبو بكر خالد بن الوليد إلى مسيلمة الكذاب في جيش كثير حتى أهلكه الله على يدي وحشي غلام مطعم بن عدي قاتل حمزة بن عبد المطلب بعد حرب شديد وكان وحشي يقول : قتلت خير الناس في الجاهلية وشر الناس في الإسلام يريد في جاهليتي وإسلامي.
والفرقة الثالثة بنو أسد ورئيسهم طليحة بن خويلد وكان طليحة آخر من ارتد وادعى النبوة في حياة عليه السلام وأول من قوتل بعد وفاته عليه السلام من أهل الردة فبعث أبو بكر خالد بن الوليد فهزمهم خالد بعد قتال شديد وأفلت طليحة فمر على وجهه هارباً نحو الشام ثم أنه أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه ثم أن الله تعالى لما قبض نبيه عليه السلام ارتد عامة العرب إلا أهل مكة وأهل المدينة وأهل البحرين من عبد القيس فقال المرتدون أما الصلاة فنصلي وأما الزكاة فلا نغصب أموالنا فكلم أبو بكر في ذلك فقال : والله لا أفرق بين ما جمع الله تعالى بقوله :﴿الصَّلَواةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا﴾ (البقرة : ٤٣) والله لو منعوني عتوداً مما أدوا إلى رسول الله لقاتلتهم عليه فبعث الله عز وجل عصائب مع أبي بكر رضي الله عنه فقاتل على ما قاتل عليه نبي الله حتى أقروا بالزكاة المفروضة.
قال أنس بن مالك : كرهت الصحابة قتال مانعي الزكاة قالوا : هم أهل القبلة فتقلد أبو بكر سيفه وخرج وحده فلم يجدوا بداً من الخروج على أثره، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : كرهنا ذلك في الابتداء ثم حمدناه في الانتهاء وقيل ما ولد بعد النبيين مولود أفضل من أبي بكر لقد قام مقام نبي في قتال أهل الردة، قال الشيخ العطار في نعت أبي بكر رضي الله عنه :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
هره بود از باركاه كبريا
ريخت در صدر شريف مصطفا
آن همه درسينه صديق ريخت
لا جرم تابود ازو تحقيق ريخت
٤٠٥


الصفحة التالية
Icon