وقال الحسن : لولا ما فعل أبو بكر لألحد الناس في الزكاة إلى يوم القيامة، قال في "الأشباه" : المعتمد في المذهب عدم الأخذ كرهاً، قال في "المحيط" ومن امتنع عن أداء الزكاة فالساعي لا يأخذ منه كرهاً ولو أخذ لا يقع المأخوذ عن الزكاة لكونها بلا اختيار ولكن يجبره بالحبس ليؤدي بنفسه.
﴿فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ﴾ مكانهم بعد إهلاكهم ﴿بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ﴾ أي : يريد بهم خير الدنيا والآخرة ﴿وَيُحِبُّونَهُ﴾ أي : يريدون إطاعته ويتحرزون عن معاصيه قيل هم أهل اليمن قال عليه السلام :"الإيمان يمان والحكمة يمانية" وإنما نسب الإيمان إليهم إشعاراً بكماله فيهم لأن من اتصف بشيء وقوي قيامه به نسب ذلك الشيء إليه لا أن يكون في ذلك نفي له عن غيرهم فلا منافاة بينه وبين قوله عليه الصلاة والسلام :"الإيمان في أهل الحجاز" ثم إن المراد بذلك الموجودون منهم في ذلك الزمان لا كل أهل اليمن في كل الأحيان كذا في "شرح المشارق" لابن الملك، وقيل هم الأنصار ـ رضي الله عنهم ـ، وقيل هم أهل فارس وفي الحديث "لو كان الإيمان معلقاً بالثريا لناله أبناء فارس" وفيه فضيلة لهذه القبيلة ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ جمع ذليل أي أرقاء ورحماء متذللين ومتواضعين لهم واستعماله بعلى لتضمين معنى العطف والحنو.
﴿أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَـافِرِينَ﴾ أي : أشداء متغلبين عليهم من عزه إذا غلبه ﴿يُجَـاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ صفة أخرى لقوم مترتبة على ما قبلها مبينة مع ما بعدها ليكفية عزتهم.
﴿وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لا ـاِمٍ﴾ عطف على يجاهدون بمعنى أنهم جامعون بين المجاهدة في سبيل الله وبين التصلب في الدين.
وفيه تعريض بالمنافقين فإنهم إذا خرجوا في جيش المسلمين خافوا أولياءهم اليهود فلا يكادون يعملون شيئاً يلحقهم فيه لوم من جهتهم واللومة المرة من اللوم وفيها وفي تنكير لائم مبالغتان كأنه قيل لا يخافون من شيء من اللومات الواقعة من أي لائم كان فالمبالغة الأولى انتفاء الخوف من جميع اللومات والثانية انتفاء الخوف من جميع اللوام كل ذلك لأن النكرة في سياق النفي تعم.
﴿ذَالِكَ﴾ إشارة إلى ما تقدم من الأوصاف الجليلة التي وصف بها القوم من المحبة والذلة والعزة والمجاهدة في سبيل الله وانتفاء خوف اللوم من كل واحد.
﴿فَضْلُ اللَّهِ﴾ أي لطفه وإحسانه لا أنهم مستقلون في الاتصاف بها ﴿يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ﴾ إيتاءه إياه ويوفقه لكسبه وتحصيله حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ﴾ كثر الفواضل والألطاف ﴿عَلِيمٌ﴾ مبالغ في العلم بجميع الأشياء التي من جملتها من هو أهل للفضل والتوفيق، قال الحافظ :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
سكندررا نمي بخشند آبي
بزور وزر ميسر نيست اين كار
واعلم أن من السالكين من يقطع العقبات ويحرق الحجب في سبعين سنة ومنهم من يقطعها في عشرين سنة ومنهم من يحصل له في سنة ومنهم من يقطعها في شهر بل في جمعة بل في ساعة حتى أن منهم من تحصل له في لحظة بتوفيق خاص وعناية سابقة أما تذكر سحرة فرعون ما كان مدتهم إلا لحظة حيث رأوا معجزة موسى قالوا : آمنا برب العالمين فأبصروا الطريق وقطعوه حقه فصاروا من ساعة إلى ساعة بل أقل من العارفين بالله.
ـ وحكي ـ أن إبراهيم بن أدهم كان على ما كان عليه من أمر الدنيا فعدل عن ذلك وقصد
٤٠٦
الطريق الحق فلم يكن إلا مقدار سيره من بلخ إلى مرو الروذ حتى صار بحيث أشار إلى رجل سقط من القنطرة في الماء الكثير هنالك أن قف فوقف الرجل مكانه في الهواء فتخلص، وأن رابعة البصرية كانت أمة كبيرة يطاف بها في سوق البصرة لا يرغب فيها أحد لكبر سنها فرحمها بعض التجار فاشتراها بنحو مائة درهم فأعتقها فاختارت الطريق الحق فأقبلت على العبادة فما تمت لها سنة حتى زارها قراء البصرة وعلماؤها لعظم منزلتها.
وأما الذي لم تسبق له العناية ولا توجهت له ولم يعامل بالفضل فيوكل إلى نفسه فربما يبقى في شعب من عقبة واحدة من العقبات سبعين سنة ولا يقطعها وكم يصيح وكم يصرخ ما أظلم هذا الطريق وأشكله وأعسر هذا الأمر وأعضله، فإن قلت لم اختص هذا بالتوفيق الخاص وحرم هذا وكلاهما مشتركان في ربقة العبودية فعند هذا السؤال تنادي من سرادق الجلال أن ألزم الأدب وأعرف سر الربوبية وحقيقة العبودية فإنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ذلك تقدير العزيز العليم وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
رضا بداده بده وزجبين كره بكشاي
كه بر من وتوردر اختيار نكشادست
اللهم اجعلنا ممن سبقت له العناية وتقدم في حقه التوفيق الخاص والهداية آمين يا رب العالمين.
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُه وَالَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ أي لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء لأن بعضهم أولياء بعض وليسوا بأوليائكم إنما أولياؤكم الله ورسوله والمؤمنون فاختصوهم بالموالاة ولا تخطئوهم إلى الغير.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١


الصفحة التالية
Icon