قال في "التأويلات النجمية" : فموالاة الله في معاداة ما سوى الله كما قال الخليل عليه السلام :﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّى إِلا رَبَّ الْعَـالَمِينَ﴾ (الشعراء : ٧٧) وموالاة الرسول في معاداة النفس ومخالفة الهوى كما قال عليه السلام :"لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به" وقال :"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين" وموالاة المؤمنين في مؤاخاتهم في الدين كقوله تعالى :﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات : ١٠) وقال عليه السلام :"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُه وَالَّذِينَ﴾ بدل من الذين آمنوا ﴿وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ حال من فاعل الفعلين أي يعملون ما ذكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم خاشعون ومتواضعونتعالى والمقصود تمييز المؤمن المخلص ممن يدعي الإيمان ويكون منافقاً لأن الإخلاص إنما يعرف بكونه مواظباً على الصلاة والزكاة في حال الركوع أي في حال الخشوع والإخباتتعالى ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَه وَالَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ أي ومن يتخذهم أولياء ﴿فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَـالِبُونَ﴾ أي فإنهم الغالبون ولكن وضع الظاهر موضع المضمر تنبيهاً على البرهان عليه وكأنه قيل ومن يتول هؤلاء فهم حزب الله وحزب الله هم الغالبون وتشريفاً لهم بإضافتهم إليه تعالى وتعريضاً بمن يوالي غير هؤلاء بأنه حزب الشيطان وحزب الرجل أصحابه والحزب الطائفة يجتمعون لأمر حزبهم أي أصابهم.
واعلم أن الغلبة على أعداء الله الظاهرة والباطنة كالهوى والنفس والشيطان إنما تحصل بنصرة الله تعالى كما قال تعالى :﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾ (محمد : ٧) وليست النصرة والغلبة إلا بتأثير الله تعالى وهو المعز وكل العزة منه تعالى.
ـ وروي ـ أن الله تعالى شكا من هذه الأمة ليلة المعراج شكايات :
الأولى : أني لم أكلفهم عمل الغد وهم يطلبون مني رزق الغد.
٤٠٧
والثانية : أني لا أرفع أرزاقهم إلى غيرهم وهم يرفعون عملهم إلى غيري.
والثالثة : أنهم يأكلون رزقي ويشكرون غيري ويخونون معي ويصالحون خلقي.
والرابعة : أن العزة لي وأنا المعز وهم يطلبون العزة من سواي.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
والخامسة : أني خلقت النار لكل كافر وهم يجتهدون أن يوقعوا أنفسهم فيها فمن اتبع هوى النفس ولم يهتم لتزكيتها فقد سعى في إلحاق نفسه بزمرة الأعداء فلم يكن منصوراً البتة إذ لا يحصل من الجسارة إلا الخسارة والهوى مقتضى النفس والنفس ظلمانية ولا يتولد من الظلماني إلا الظلمة، قال في "المثنوي" :
عكس توراني همه روشن بود
عكس ظلماني همه كلخن بود
عكس هركس رابدان اي دور بين
هلوي جنسي كه خواهي مي نشين
فعلى المؤمن أن يجتهد بالصوم والصلاة ووجوه العبادات إلى أن يزكي نفسه عن سفساف الأخلاق ويغلب الأعداء الباطنة والغلبة عليها مفتاح الغلبة على الأعداء الظاهرة ولذا ترى الأنبياء والأولياء منصورين مظفرين على كل حال وهذه النصرة والولاية من آثار عناية الله السابقة فكما أن من رش عليه من نور الأزل لم ير ظلمة أبداً كذلك من لم يهتد بذلك النور في بداية الأمر لم يصل إلى المراد إلى آخر العمر، قال الحافظ :

باب زمزم وكوثر سفيد نتوان كرد


كليم بخت كسى راكه فافتند سياه


الصفحة التالية
Icon