﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم﴾ الخطاب لليهود ﴿بِشَرٍّ مِّن ذَالِكَ﴾ والإشارة إلى المنقوم وهو الإيمان والمنقوم منهم المؤمنون أي هل أخبركم بما هو شر في الحقيقة لا ما تعتقدونه شراً وإن كان في نفسه خيراً محضاً، قال ابن الشيخ : ومن المعلوم قطعاً أنه لا شر في دين الإسلام فالمراد الزيادة المطلقة ﴿مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ﴾ أي : جزاء ثابتاً في حكمه تعالى والمثوبة مختصة بالخير كالعقوبة مختصة بالشر فوضعت ههنا موضعها على طريق التهكم ونصبها على التمييز من بشر.
﴿مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ خبر لمبتدأ محذوف بتقدير مضاف قبله مناسب لما أشير إليه بكلمة ذلك أي هو دين من لعنه الله وهو اليهود وأبعدهم الله من رحمته وسخط عليهم بكفرهم وانهماكهم في المعاصي بعد وضوح الآيات.
﴿وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ﴾ أي : مسخ بعضهم قردة في زمن داود عليه السلام بدعائه عليهم حين اعتدوا في السبت واستخلوه ومسخ بعضهم خنازير في زمن عيسى عليه السلام بعد أكلهم من المائدة وحين كفروا بعد ما رأوا الآيات البينة، وقيل كلا المسخين في أصحاب السبت مسخت شبانهم قردة وشيوخهم خنازير ولما نزلت هذه الآية قال المسلمون لليهود يا إخوة القردة والخنازير فنكسوا رؤوسهم وافتضحوا.
﴿وَعَبَدَ الطَّـاغُوتَ﴾ عطف على صلة من وضميره المستكن يعود إلى من أي أطاع الشيطان فيما سول له ﴿أولئك﴾ الموصوفون بتلك القبائح والفضائح ﴿شَرٌّ مَّكَانًا﴾ جعل مكانهم شراً ليكون أبلغ في الدلالة على شرارتهم ﴿وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ السَّبِيلِ﴾ عطف على شر مقرر له أي أكثر ضلالاً عن الطريق المستقيم.
وفيه دلالة على كون دينهم شراً محضاً بعيداً عن الحق لأن ما يسلكونه من الطريق دينهم فإذا كانوا أضل كان دينهم ضلالاً مبيناً لا غاية وراءه وصيغة التفضيل في الموضعين للزيادة مطلقاً لا بالإضافة إلى من يشاركهم في أصل الشرارة والضلال.
واعلم أن كل صنف من الناس يفرح بما لديه ويبغض الآخر بما هو عليه ولكن الحق أحق أن يتبع فالمؤمن يحب المؤمن فإن المحبة من
٤١١
الأخلاق الحسنة والأوصاف الشريفة وفي الحديث "إن من عباد الله عباداً ما هم بأنبياء وشهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله تعالى" قالوا : يا رسول الله أخبرنا من هم وما أعمالهم فلعلنا نحبهم قال :"هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام منهم ولا أموال يتعاطون فوالله إن وجوههم أنوار وأنهم يعلون منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس".
وسئل عبد الله السالمي بأي شيء يعرف أولياء الله من بين عباده؟ فقال : بلطافة اللسان وحسن الخلق وبشاشة الوجه وسخاوة النفس وقلة الاعتراض وقبول الاعتذار وكمال الشفقة على عامة الخلق، قال الحافظ :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
تاج شاهي طلبي كوهر ذاتي بنماي
ورخوداز كوهر جمشيد وفريدون باشي
قال حضرة الشيخ الشهير فأفتاده أفندي : لا تزال البغضاء بين البيراميين وبين الخلوتية وكذا بينهم وبين اتباع السيد البخاري مع أن البغضاء لا تليق بأهل الحق ألا يرى أنا لم نسمع من دور آدم إلى خاتم النبيين عليهم السلام نوع بغض بين نبيين أصلاً مع أنه قد يتفق في بعض الأوقات أن يجتمع ثلاثة وأربعة من الأنبياء وكذا اتباعهم لا يطعنون في واحد منهم، قال السعدي :
دلم خانه مهر يارست وبس
ازان مي نكنجد دروكين كس
قال بعضهم : القلوب ثلاثة : قلب يطير في الدنيا حول الشهوات، وقلب يطير في العقبى حول الكرامات، وقلب يطير في سدرة المنتهى حول المناجاة، قال الحافظ :
غلام همت رندان بي سروايم
كه هردو كون نير زد به يش شان يك كاه
فعلى العاقل أن يشتغل بالتوحيد كي يتخلص من ظلمات النفس وهواها والشيطان ووساوسه، نظر عمر بن الخطاب إلى شاب فقال : يا شاب إن وقيت شر ثلاثة فقد وقيت شر الشيطان، إن وقيت لقلقك وقبقبك وذبذبك.
قال الأصمعي اللقلق اللسان والقبقب البطن والذبذب الفرج ﴿وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوا ءَامَنَّا﴾ نزلت في ناس من اليهود كانوا يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلّم يظهرون له الإيمان نفاقاً فالخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام والجمع للتعظيم أوله مع من عنده من المسلمين أي إذا جاؤكم أظهروا الإسلام.
﴿وَقَد﴾ أي : والحال أنهم قد ﴿دَّخَلُوا﴾ ملتبسين ﴿بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا﴾ من عندك ملتبسين ﴿بِهِ﴾ أي بالكفر كما دخلوا لم يؤثر فيهم ما سمعوا منك ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ﴾ من الكفر وصيغة التفضيل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يظن نفاقهم من إماراته اللائحة عليهم ويتوقع أنه يظهره الله، وفي "المثنوي" :
نيست بازى بامميز خاصه او
كه بود تمييز عقلش غيب كو
هي سحر وهي تلبيس ودغل
مي نبندد رده بر هل دول
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١


الصفحة التالية
Icon