﴿وَتَرَى﴾ يا محمد رؤية بصرية ﴿كَثِيرًا مِّنْهُم﴾ أي من اليهود والمنافقين حال كونهم ﴿يُسَـارِعُونَ فِى الاثْمِ﴾ أي الكذب على الإطلاق وإيثار كلمة في على كلمة إلي للدلالة على أنهم مستقرون في الإثم وإنما مسارعتهم من بعض مراتبه إلى بعض آخر منها كقوله تعالى :
٤١٢
﴿أولئك يُسَـارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ﴾ (المؤمنون : ٦١) لا أنهم خارجون منه متوجهون إليه كما في قوله تعالى :﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ﴾ (آل عمران : ١٣٣) ﴿وَالْعُدْوَانِ﴾ أي الظلم المتعدي إلى الغير ﴿وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ﴾ أي الحرام ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أي لبئس شيئا كانوا يعملونه والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على الاستمرار ﴿لَوْلا﴾ حرف تحضيض ﴿يَنْهَاهُمُ الرَّبَّـانِيُّونَ وَالاحْبَارُ﴾ المراد بهم العلماء إلا أن الرباني الزاهد العارف الواصل والحبر العالم العامل المقبول ﴿عَن قَوْلِهِمُ الاثْمَ﴾ وهو قولهم آمنا وليسوا بمؤمنين ﴿وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ﴾ مع علمهم بقبحها ومشاهدتهم لمباشرتهم لها ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ هو أبلغ من قوله لبئس ما كانوا يعملون لأن الصنع أقوى من العمل فإن العمل إنما يسمى صناعة إذا صار مستقراً راسخاً متمكناً فجعل جرم من عمل الإثم والعدوان وأكل السحت ذنباً غير راسخ وذنب التاركين للنهي عن المنكر ذنباً راسخاً وفي الآية مما ينعي على العلماء من توانيهم في النهي عن المنكرات ما لا يخفى، قال الشيخ السعدي :
كرت نهى منكر بر آيد زدست
نشايد وبى دست وايان نشست
و دست وزبانرا نماند مجال
بهمت نمانيد مردى رجال
قال عمر بن عبد العزيز : إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة ولكن إذا أظهروا المعاصي فلم ينكروا استحق القوم جميعاً للعقوبة ولولا حقيقة هذا المعنى في التوبيخ على المشايخ والعلماء في ترك النصيحة لما اشتغل المحققون بدعوة الخلق وتربيتهم لاستغراقهم في مشاهدة الحق ومؤانستهم به.
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده أفندي قدس سره : السالك إذا وصل إلى الحقيقة إما أن يرسل للإرشاد أو يبقى في حضور الوصلة ولا يريد الفرقة كالشيخ أبي يزيد البسطامي فإنه لا يختر الإرشاد ولكن الإرشاد طريقة الأنبياء عليهم السلام فإنه ما من نبي إلا وهو قد بعث وأرسل لإرشاد الخلق ولم يبق في عالم الحضور، قال في "المثنوي" خطاباً من قبل الله تعالى إلى حضرة النبي عليه السلام :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
هين بمكذار اي شفا رنجوررا
تو زخشم كور عصاي كوررا
ني توكفتي قائد أعمى براه
صد ثواب واجر يابد ازاله
هركه أو ل كام كورى باكشد
كشت آمر زيده ويابد رشد
س بكش توزين جهان بي قرار
وق كورانرا قطار اندر قطار
كار هادي اين بود توهاديء
ماتم آخر زمانرا شادي
هين روان كن أي إمام المتقين
اين خيال انديشكانرا تايقين
خيز دردم توبصور سهمناك
تاهزاران مرده بررويد زخاك
وأهل الحقيقة والعلماء العاملون المتجردون عن الغرض سوى إعلاء كلمة الله تعالى محفوظون في أقوالهم وأفعالهم.
ـ وحكي ـ أن زاهداً من التابعين كسر ملاهي مروان بن الحكم الخليفة فأتي له به فأمر بأن يلقي بين يدي الأسد فألقي فلما دخل ذلك الموضع افتتح الصلاة فجاءت الأسد وجعلت تحرك ذنبها حتى اجتمع عليه ما كان في ذلك الموضع من الأسد فجعلت تلحسه بألسنتها
٤١٣


الصفحة التالية
Icon