وهو يصلي ولا يبالي فلما أصبح مروان قال : ما فعل بزاهدنا قيل : ألقي بين يدي الأسد قال : انظروا هل أكلته فجاءوا فوجدوا الأسد قد استأنست به فتعجبوا من ذلك فأخرجوه وحملوه إلى الخليفة فقال له أما كنت تخاف منها قال لا كنت مشغولاً متفكراً طول الليل لم أتفرغ إلى خوفهم فقال له فيماذا تتفكر؟ قال : في هذه الأسد حيث جاءتني تلحسني بألسنتها فكنت أتفكر ألعابها طاهر أم نجس فتفكري في هذا منعني عن الخوف منها فتعجب منه فخلي سبيله كذا في "نصاب الاحتساب" ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ﴾ قال المفسرون : إن الله تعالى قد بسط النعمة على اليهود حتى كانوا من أكثر الناس مالا وأخصبهم ناحية فلما عصوا الله في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكذبوه كف الله عنهم ما بسط عليهم من النعمة فعند ذلك قالت اليهود ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ أي : مقبوضة ممسكة عن العطاء.
وغل اليد وبسطها مجاز عن محض البخل والجود من غير قصد في ذلك إلى إثبات يد وغل أو بسط قال الله تعالى ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾ (الإسراء : ٢٩) أي : لا تمسكها عن الإنفاق ﴿غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ﴾ دعاء عليهم بالبخل المذموم والمسكة أي أمسكت أيديهم عن الإنفاق في الخير وجعلوا بخلاء واليهود أبخل الناس ولا أمة أبخل منهم.
﴿وَلُعِنُوا﴾ أي : أبعدوا وطردوا من رحمة الله تعالى ﴿بِمَا قَالُوا﴾ أي : بسبب ما قالوا من الكلمة الشنعاء وهذا الدعاء عليهم تعليم للعباد وإلا فهو أثر العجز تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ أي : ليس شأنه عز وجل كا وصفتموه بل هو موصوف بغاية الجود ونهاية الفضل والإحسان وهذا المعنى إنما يستفاد من تثنية اليد فإن غاية ما يبذله السخي من ماله أن يعطيه بيديه جميعاً ويد الله من المتشابهات وهي صفة من صفات الله تعالى كالسمع والبصر والوجه ويداه في الحقيقة عبارة عن صفاته الجمالية والجلالية وفي الحديث :"كلتا يديه يمين" :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
اديم زمين سفره عام اوست
برين خوان يغما ه دشمن ه دوست
﴿يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ﴾ أي هو مختار في إنفاقه يوسع تارة ويضيق أخرى على حسب مشيئته ومقتضى حكمته وقد اقتضت الحكمة بسبب ما فيهم من شؤم المعاصي أن يضيق عليهم، وفي "المثنوي" :
و نكه بد كردى بترس ايمن مباش
زانكه تخسمت وبروياند خداش
ند كاهي او بوشاند كه تا
آيدت زان بدشيمان وحيا
بارها وشد ي إظهار فضل
باز كيرد ازي إظهار عدل
تاكه اين هر دوصفت ظاهر شود
آن مبشر كردد اين منذر شود
﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم﴾ وهو علماؤهم ورؤساؤهم.
قوله كثيراً مفعول أول ليزيدن ﴿مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ وهو القرآن وما فيه من الأحكام وهو فاعل يزيدن.
﴿طُغْيَـانًا وَكُفْرًا﴾ مفعول ثان للزيادة أي ليزيدنهم طغياناً على طغيانهم وكفراً على كفرهم القديمين، إما من حيث الشدة والغلو وإما من حيث الكم والكثرة إذ كلما نزلت آية كفروا بها فيزداد طغيانهم وكفرهم بحسب المقدار كما أن الطعام الصالح للأصحاء يزيد المرضى مرضاً ﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ﴾ أي بين اليهود فإن بعضهم جبرية وبعضهم قدرية وبعضهم مرجئة وبعضهم مشبهة أما الجبرية فهم الذين ينسبون فعل العبد إلى الله تعالى ويقولون لافعل للعبد أصلاً ولا اختيار
٤١٤
وحركته بمنزلة حركة الجمادات.
وأما القدرية فهم الذين يزعمون أن كل عبد خالق لفعله ولا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله.
وأما المرجئة فهم الذين لا يقطعون على أهل الكبائر بشيء من عفو أو عقوبة بل يرجعون الحكم في ذلك أي يؤخرونه إلى يوم القيامة وأما المشبهة : فهم الذين شبهوا الله تعالى بالمخلوقات ومثلوه بالمحدثات.
﴿الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ﴾ أي : جعلناهم مختلفين في دينهم متباغضين كما قال تعالى :﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ (الحشر : ١٤) فلا تكاد تتوافق قلوبهم ولا تتطابق أقوالهم والجملة مبتدأة مسوقة لإزاحة ما عسى يتوهم في ذكر طغيانهم وكفرهم من الاجتماع على أمر يؤدي إلى الإضرار بالمسلمين.
قيل : العداوة أخص من البغضاء لأن كل عدو مبغض بلا عكس كلي ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ﴾ متعلق بألقينا ﴿كُلَّمَآ أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ﴾ أي كلما أرادوا محاربة الرسول صلى الله عليه وسلّم وإثارة شر عليه ﴿أَطْفَأَهَا اللَّهُ﴾ أي : ردهم الله وقهرهم بأن أوقع بينهم منازعة كف بها عنه شرهم، وفي "المثنوي" خطاباً من قبل الله تعالى إلى حضرة صاحب الرسالة عليه السلام :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
هركه درمكر تودارد دل كرو
كردنش را من زنم توشاد شو
بر سر كوريش كوربهانهم
أو شكر بندارد وزهرش دهم
يست خود آلاجق آن تركمان
يش اي نره يلان جهان
آن راغ أو به يش صرصرم
خوده باشد أي مهين يغمبرم