﴿وَيَسْعَوْنَ فِى الارْضِ فَسَادًا﴾ أي يجتهدون في الكيد للإسلام وأهله وإثارة الشر والفتنة فيما بينهم مما يغاير ما عبر عنه بإيقاد نار الحرب.
وفساداً إما مفعول له أو في موضع المصدر أي يسعون للفساد أو يسعون سعي فساد ﴿وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ ولذلك أطفأ نائرة إفسادهم ولا يجازيهم إلا شراً.
واعلم أن الله تعالى مهما وكل الإنسان إلى حساسة طبعه وركاكة نظره وعقله فلا يترشح منه إلا ما فيه من الأقوال الشنيعة والأفعال الرذيلة ولذلك قالت اليهود يد الله مغلولة، ونعم ما قال في "المثنوي" :
درزمين كرنيشكر ورخودني است
ترجمان هر زمين نبت وي است
وأهل الحسد يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ولكن لا يزيدهم الحسد إلا الطغيان فكما أن مصائب قوم عند قوم فوائد كذلك فوائد قوم عند قوم مصائب.
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده أفندي قدس سره : إن جماعة السيد البخاري حسدوا لنا حتى قصدوا القتل بالسلاح واشتغلوا بالأسماء القهرية على حسب طريقهم فلم أقاتل دفعاً للفتنة ثم رأيت في موضع قرب جامع السيد البخاري قد أخذ طريقي ماء عظيم فلم يبق إلا طريق ضيق فلما قربت منه لم يبق أثر من الماء ثم إنه مات كثير من تلك الجماعة ولكن لم أباشر أنا في حقهم شيئاً قال : كيف أميل إلى مشيختهم وتصرف ثمانية عشر ألف عالم بيدي بقدرة الله تعالى في الباطن وإن كنت عاجزاً في الظاهر.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
ـ وحكي ـ أن مولانا جلال الدين اشتغل عند صلاح الدين شركوه بعد المفارقة من شمس الدين التبريزي فلما سمعه بعض أتباع مولانا أرادوا قتله فأرسل إليه مولانا ابنه السلطان ولد فقال الشيخ صلاح الدين : إن الله تعالى أعطاني قدرة على قلب السماء إلى الأرض
٤١٥
فلو أردت أهلكتهم بقدرة الله تعالى لكن الأولى أن ندعو لإصلاحهم فدعا الشيخ فأمن السلطان ولد فلانت قلوبهم واستغفروا اللهم بحق أصفيائك خلصنا من رذائل الأوصاف وسفساف الأخلاق إنك أنت القادر الخلاق.
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَـابِ﴾ أي اليهود والنصارى ﴿ءَامَنُوا﴾ بما يجب به الإيمان ﴿وَاتَّقُوا﴾ من المعاصي مثل الكذب وأكل السحت ونحو ذلك ﴿لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّـاَاتِهِمْ﴾ أي : لعفونا عنهم وسترنا عليهم ذنوبهم وهو الخلاص من العذاب ﴿وَلادْخَلْنَـاهُمْ جَنَّـاتِ النَّعِيمِ﴾ أي ولجعلناهم خالدين فيها وهو الظفر بالثواب.
وفيه تنبيه على أن الإسلام يجب ما قبله وإن جل وإن الكتابي لا يدخل الجنة ما لم يسلم.
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاـاةَ وَالانجِيلَ﴾ أي : عملوا بما فيهما من التصديق بسيد المرسلين والوفاءتعالى بما عاهدوا فيهما وإقامة الشيء عبارة عن رعاية حقوقه وأحكامه كإقامة الصلاة ﴿وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ﴾ من القرآن المجيد المصدق لكتبهم وإيراده بهذا العنوان للتصريح ببطلان ما كانوا يدعون من عدم نزوله إلى بني إسرائيل.
﴿لاكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾ أي : لوسع الله عليهم أرزاقهم بأن يفيض عليهم بركات السماء والأرض بإنزال المطر وإخراج النبات.
وفيه تنبيه على أن ما أصابهم من الضنك والضيق إنما هو من شؤم جناياتهم لا لقصور في فيض الفياض، وفي "المثنوي" :
هين مراقب باش كردل بايدت
كزي هر فعل يزى زايدت
اين بلا از كودني آيدترا
كه نكردي فهم نكته ورمزها
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١


الصفحة التالية
Icon