أنا من أهوى ومن أهوى أنا وذلك متأول عند الشاعر فإنه لا يعني به أنه هو تحقيقاً بل كأنه هو فإنه مستغرق بالهم به كما يكون مستغرق الهم بنفسه فيعتبر هذه الحالة بالاتحاد على سبيل التجوز.
قال الشيخ أبو القاسم الجرجاني : إن الأسماء التسعة والتسعين تصير أوصافاً للعبد السالك وهو بعد في السلوك غير واصل، فإن قلت : ما معنى الوصول؟ قلت : معنى السلوك هو تهذيب الأخلاق والأعمال والمعارف وذلك اشتغال بعمارة الظاهر والباطن والعبد في جميع ذلك مشغول بنفسه عن ربه إلا أنه مشتغل بتصفية باطنه ليستعد للوصول وإنما الوصول هو أن ينكشف له جلية الحق ويصير مستغرقاً به فإن نظر إلى معرفته فلا يعرف إلا الله وإن نظر إلى همته فلا همة له سواه فيكون كله مشغولاً لا بكله مشاهدة وهما لا يلتفت في ذلك إلى نفسه ليعمر ظاهره بالعبادة وباطنه بتهذيب الأخلاق وكل ذلك طهارة وهي البداءة وأما النهاية فأن ينسلخ عن نفسه بالكلية ويتجرد له فيكون كأنه هو وذلك هو الوصول، وفي "المثنوي" :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١
كار كاه كنج حق در نيستيست
غره هستي ه داني نيست يستآب كوزه ون در آب جوشود
محو كردد دروي وجو او شود ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ حال كونهم ﴿مِنا بَنِى إِسْرَاءِيلَ﴾ أي : طردوا وأبعدوا من رحمة الله تعالى ﴿عَلَى لِسَانِ دَاوُادَ﴾ متعلق بلعن يعني أهل ايلة لما اعتدوا في السبت قال داود عليه الصلاة والسلام : اللهم العنهم واجعلهم آية ومثلاً لخلقك فمسخوا قردة ﴿وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ أي : على لسان عيسى ابن مريم يعني كفار أصحاب المائدة لما أكلوا من المائدة ولم يؤمنوا قال عيسى : اللهم العنهم كما لعنت أصحاب السبت واجعلهم آية فمسخوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل ما فيهم امرأة ولا صبي كأنه قيل بأي سبب وقع ذلك فقيل :﴿ذَالِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ أي ذلك اللعن الشنيع المقتضي للمسح بسبب عصيانهم واعتدائهم ما حرم عليهم ﴿كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ﴾ استئناف أي لا ينهى بعضهم بعضاً عن قبيح يعملونه واصطلحوا على الكف عن نهي المنكر ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ تعجيب من سوى فعلهم مؤكداً بالقسم ﴿تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ﴾ أي : من أهل الكتاب ككعب بن الأشرف وأضرابه حيث خرجوا إلى مشركي مكة ليتفقوا على محاربة النبي عليه السلام والرؤية بصرية ﴿يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ حال من كثيراً لكونه موصوفاً أي يوالون المشركين بعضاً لرسول الله صلى الله عليه وسلّم والمؤمنين ﴿لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ﴾ أي لبئس شيئاً قدموا ليردوا عليه يوم القيامة ﴿أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى الْعَذَابِ هُمْ خَـالِدُونَ﴾ هو المخصوص بالذم بتقدير المضاف أي موجب سخط الله والخلود في العذاب لأن نفس السخط المضاف إلى الباري تعالى لا يقال له إنه المخصوص بالذم إنما المخصوص بالذم هو الأسباب الموجبة له ﴿وَلَوْ كَانُوا﴾ أي : الذين يتولون المشركين من أهل الكتاب ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْلَّهِ وَالنَّبِىِّ﴾ أي : نبيهم ﴿وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ﴾ أي : إلى ذلك النبي من التوراة والإنجيل ﴿مَا اتَّخَذُوهُمْ﴾ أي : المشركين
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١
﴿أَوْلِيَآءَ﴾
٤٢٥
لأن تحريم ذلك مصرح في شريعة ذلك النبي وهو الكتاب المنزل إليه فالإيمان يمنع من التولي قطعاً ﴿وَلَـاكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَـاسِقُونَ﴾ خارجون عن الدين والإيمان بالله ونبيهم وكتابهم.
وفي الآيات أمور :
الأول : أن الإنسان الكامل الذي يصلح لخلافة الحق هو مظهر صفات لطف الحق وقهره فقبولهم قبول الحق وردهم رد الحق ولعنهم لعن الحق وصلاتهم صلاة الحق فمن لعنوه فقد لعنه الحق ومن صلوا عليه فقد صلى الحق عليه لقوله تعالى لنبيه عليه السلام ﴿إِنَّ صَلَواتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ﴾ (التوبة : ١٠٣) وقال :﴿هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ﴾ (الأحزاب : ٤٣) فمظهر اللعن كان لسان داود وعيسى وكانت اللعنة من الله حقيقة لقوله :﴿كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَـابَ السَّبْتِ﴾ (النساء : ٤٧) وهم الذين لعنهم داود وصرح ههنا أن اللعن كان منه تعالى وإن كان على لسان داود عليه السلام، في "المثنوي" :
اين نكردي توكه من كردم يقين
أي صفاتت در صفات مادفينما رميت إذ رميت كشته
خويشتن درموج ون كف هشته
وفي محل آخر :
كه ترا ازتوبكل خالي كند
توشوي ست او سخن عالي كندكره قرآن ازلب ييغمبر است
هركه كويد حق نكفت او كافرست


الصفحة التالية
Icon