والثاني أن الله تعالى سمى العصيان منكراً لأنه يوجب النكرة كما سمى الطاعة معروفاً لأنها توجب المعرفة والإقدام على الفعل المنكر معصية والإصرار على المعصية كالكفر في كونه سبباً للرين المحيط بجوانب القلب ومن ذلك ترك النهي عن المنكر وفي الحديث "يحشر يوم القيامة أناس من أمتي من قبورهم إلى الله تعالى على صورة القردة والخنازير بما؟ بما داهنوا أهل المعاصي وكفوا عن نهيهم وهم يستطيعون" فالمداهنة من أعمال الكفار والدعوة إلى الله من أخلاق الأخيار، وفي "المثنوي" :
هركسي كواز صف دين سركش است
ميرود سوى صفي كان واس استتوز كتار تعالوا كم مكن
كيمياي س شكر فست آن سخن
كرمسي كردد ز كفتارت نفير
كيميارا هي ازوي وامكير
اين زمان كربست نفس ساحرش
كفت توسودش دهددر آخرش
قل تعالوا قل تعالوا أي غلام
هين كه ان الله يدعو بالسلام
والثالث : أن المؤمن والكافر ليسا من جنس واحد وتولى الكافر موجب لسخط الله لأن موالاة الأعداء توجب معاداة الأولياء فينبغي للمؤمن الكامل أن ينقطع عن صحبة الكفار والفجار وأهل البدع والأهواء وأرباب الغفلة والإنكار، وفي "المثنوي" :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١
ميل مجنون يش آن ليلى روان
ميل ناقه س ي طفلش دوانكفت أي ناقه وهردو عاشقين
مادو ضد س همره نا لا يقيم
نيستت بروفق من مهر ومهار
كرد بايد ازتو صحبت اختيار
جان زهجر عرش اندر فاقه
تن زعشق خاربن ون ناقة
جان كشايد سوى بالا بالها
درزده تن درزمين نكالها
اللهم خلصنا من خلاف الجنس مطلقاً ﴿لَتَجِدَنَّ﴾ يا محمد ﴿أَشَدَّ النَّاسِ﴾ مفعول أول
٤٢٦
للوجدان ﴿عَدَاوَةً﴾ تمييز ﴿لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ متعلق بعداوة ﴿الْيَهُودَ﴾ مفعول ثان للوجدان ﴿وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ يعني : مشركي العرب معطوف على اليهود ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَـارَى﴾ إعرابه كإعراب ما سبق.
أما عداوة اليهود والمشركين المنكرين للمعاد فلشدة حرصهم الذي هو معدن الأخلاق الذميمة فإن من كان حريصاً على الدنيا طرح دينه في طلب الدنيا وأقدم على كل محظور ومنكر فلا جرم تشتد عداوته مع كل من نال جاهاً أو مالاً.
وأما مودة النصارى فلأنهم في أكثر الأمر معرضون عن الدنيا مقبلون على العبادة وترك طلب الرياسة والكبر والترفع وكل من كان كذلك فإنه لا يحسد الناس ولا يؤذيهم بل يكون لين العريكة في طلب الحق سهل الإنقياد له انظر إلى كفر النصارى مع كونه أغلظ من كفر اليهود لأن كفر النصارى في الألوهية وكفر اليهود في النبوة وأما قوله تعالى :﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ فإنما قاله طائفة منهم ومع ذلك خص اليهود بمزيد اللعنة دونهم وما ذاك إلا بسبب حرصهم على الدنيا ويؤيده قوله عليه السلام :"حب الدنيا رأس كل خطيئة"، قال البغوي لم يرد به جميع النصارى لأنهم في عداوتهم للمسلمين كاليهود في قتلهم المسلمين وأسرهم وتخريب بلادهم وهدم مساجدهم وإحراق مصاحفهم لا مودة ولا كرامة لهم بل الآية نزلت فيمن أسلم منهم مثل النجاشي وأصحابه وكان النجاشي ملك الحبشة نصرانياً قبل ظهور الإسلام ثم أسلم هو وأصحابه قبل الفتح ومات قبله أيضاً، وقال أهل التفسير : ائتمرت قريش أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم فوثب كل قبيلة على من فيها من المسلمين يؤذونهم ويعذبونهم فافتتن من افتتن وعصم الله منهم من شاء ومنع الله رسوله بعمه أبي طالب فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما حل بأصحابه ولم يقدر على منعهم ولم يؤمر بعد بالجهاد أمرهم بالخروج إلى أرض الحبشة وقال :"إن بها ملكاً صالحاً لا يظلم ولا يظلم عنده أحد فاخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجاً" وأراد به النجاشي واسمه أصحمة بالمهملتين وهو بالحبشية عطية وإنما النجاشي اسم الملك كقولهم قيصر لملك الروم وكسرى لملك الفرس فخرج إليها سراً أحد عشر رجلاً وأربع نسوة منهم عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فخرجوا إلى البحر وأخذوا سفينة إلى أرض الحبشة بنصف دينار وذلك في رجب في السنة الخامسة من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهذه هي الهجرة الأولى ثم خرج جعفر بن أبي طالب وتتابع المسلمون إليها فكان جميع من هاجر إلى الحبشة من المسلمين اثنين وثمانين رجلاً سوى النساء والصبيان :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١
سعديا حب وطن كره حد يثست صحيح
نتوان مرد بسختي كه من اينجازادم
فلما علمت قريش بذلك وجهوا عمرو بن العاص وصاحبه بالهدايا إلى النجاشي وبطارقته ليردوهم إليهم فعصمهم الله فلما انصرفا خائبين وأقام المسلمون هناك بخير دار وحسن جوار إلى أن هاجر رسول الله وعلا أمره وذلك في سنة ست من الهجرة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى النجاشي على يد عمرو بن أمية الضمري ليزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت قد هاجرت إليه مع زوجها فمات زوجها فأرسل النجاشي إلى أم حبيبة جارية يقال