قال يا رسول الله إن نفسي تحدثني بأن أترهب في رؤوس الجبال قال :"مهلاً يا عثمان فإن ترهب أمتي الجلوس في المساجد لانتظار الصلاة" قال : يا رسول الله إن نفسي تحدثني أن أخرج من مالي كله قال :"مهلاً يا عثمان فإن صدقتكم يوماً بيوم وتعف نفسك وعيالك وترحم المساكين واليتيم فتعطيها أفضل من ذلك" قال : يا رسول الله إن نفسي تحدثني أن أطلق امرأتي خولة قال :"مهلاً يا عثمان فإن الهجرة في أمتي من هجر ما حرم الله عليه أو هاجر إلي في حياتي أوزار قبري بعد وفاتي أو مات وله امرأة أو امرأتان أو ثلاث أو أربع" قال : يا رسول الله فإن نهيتني أن لا أطلقها فإن نفسي تحدثني أن لا أغشاها قال :"مهلاً يا عثمان فإن المسلم إذا غشي امرأته أو ما ملكت يمينه فلم يكن له من وقعته تلك ولد كان له وصيف في الجنة وإن كان له من وقعته تلك ولد فمات قبله كان له فرطاً وشفيعاً يوم القيامة وإن مات بعده كان له نوراً يوم القيامة" قال : يا رسول الله إن نفسي تحدثني أن لا آكل اللحم قال : مهلاً يا عثمان فإني أحب اللحم وأكله إذا وجدته ولو سألت ربي أن يطعمنيه في كل يوم لأطعمنيه قال : يا رسول الله فإن نفسي تحدثني أن لا أمس الطيب قال :"مهلاً يا عثمان فإن جبرائيل عليه السلام أمرني بالطيب غبا وقال يوم الجمعة لا مترك له يا عثمان لا ترغب عن سنتي فمن رغب عن سنتي ثم مات قبل أن يتوب صرفت الملائكة وجهه عن حوضي يوم القيامة"، وعن أبي موسى الأشعري قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأكل لحم الدجاج ورأيته يأكل الرطب والبطيخ.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه السلام كان يأكل الدجاج والفالوذج وكان يعجبه الحلواء والعسل وقال :"إن المؤمن حلو يحب الحلاوة" قال :"إن في بطن المؤمن زاوية لا يملأها إلا الحلو" وجاء رجل إلى الحسن فقال له إن لي جاراً لا يأكل الفالوذج قال : ولم قال لئلا يؤدي شكره قال : أفيشرب الماء البارد قال : نعم قال : إن جارك هذا جاهل إن نعمة الله عليه في الماء البارد أكثر من نعمته في الفالوذج، وسئل فضيل عن ترك الطيبات من الحواري واللحم والخبيص للزهد وقال لمن قال لا آكل الخبيص ليتك تأكل وتتقي إن الله لا يكره أن تأكل الحلال الصرف كيف برك لوالديك وصلتك للرحم؟ كيف عطفك على الجار؟ كيف رحمتك للمسلمين؟ كيف كظمك للغيظ؟ كيف عفوك عمن ظلمك؟ كيف إحسانك إلى من أساء إليك؟ كيف صبرك واحتمالك للأذى؟ أنت إلى أحكام هذا أحوج منك إلى ترك الخبيص، والحاصل أن الإفراط
٤٣٢
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١
في الرهبانية والاحتراز التام عن الذات والطيبات مما يوقع الضعف في الأعضاء الرئيسة التي هي القلب والدماغ وإذا وقع الضعف فيها اختلت الفكرة وباختلالها تفوت عنها الكمالات المتعلقة بالقوة النظرية رأساً وينتقص كمالاتها المتعلقة بالقوة العملية فإن تمامها وكمالها يبني على كمال القوة النظرية، وأيضاً الرهبانية التامة توجب خرابية الدنيا وانقطاع الحرث والنسل فلما كانت عمارة الدنيا والآخرة منوطة بترك تلك الرهبانية والمواظبة على المعرفة والمحبة والطاعة اقتضت الحكمة أن لا يحرم الإنسان ما طاب ولذ مما أحل الله كما نطقت الآية به، ولكن إشارة الآية أيضاً إلى الاعتدال كما قال :﴿وَلا تَعْتَدُوا﴾ فالاعتدال في التناول وكذا في الرياضة ممدوح جداً ولذا ترى المرشد الكامل يأمر في ابتداء أمره بترك اللحم والدسم والجماع وغيرها ولكن على الاعتدال بحسب مزاجه فإن للرياضات تأثيراً عظيماً في إصلاح الطبيعة وهو أمر مهم في باب السلوك جداً فلا متمسك لأرباب الظاهر في ترك الرياضة مطلقاً وقد أشار النبي عليه الصلاة والسلام في وصاياه لعثمان بن مظعون إلى جملة من الأمر فافهم وارشد إلى طريق الصواب ولا تفريط ولا إفراط في كل باب ﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَـانِكُمْ﴾ اليمين تقوية أحد الطرفين بالمقسم به واللغو في اليمين الساقط الذي لا يتعلق به حكم وهو عند الإمام الأعظم أن يحلف على شيء يظن أنه كذلك وليس كما يظن مثل أن يرى الشيء من بعيد فيظن أنه كذا فيقول والله إنه كذا فإذا هو بخلافه فلا مؤاخذة في هذا اليمين بإثم ولا كفارة وأما الغموس وهي حلفه على أمر ماض أو حال كذباً عمداً مثل قوله والله لقد فعلت كذا وهو لم يفعله وعكسه ومثل والله ما لهذا علي دين وهو يعلم أن له عليه ديناً فحكمها الإثم لأنها كبيرة قال عليه السلام :"من حلف كاذباً أدخله الله النار" ولا كفارة فيها إلا التوبة قوله في أيمانكم صلة يؤاخذكم كما أن باللغو صلة له أي لا يؤاخذكم في حق إيمانكم بسبب ما كان لغواً منها بأن لا يتعلق بها حكم دنيوي ولا أخروي ﴿وَلَـاكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الايْمَـانَ﴾ أي بتقيدكم الأيمان وتوثيقاً بالقصد والنية والمعنى ولكن يؤاخذكم بما عقدتموها إذا خنثتم أو بنكث أي نقض ما عقدتم فحذف للعلم به وهذا اليمين هي اليمين المنعقدة وهي الحلف على فعل أمر أو تركه في المستقبل


الصفحة التالية
Icon