جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١
﴿فَكَفَّـارَتُهُ﴾ أي الفعلة التي تذهب إثمه وتستره وعند الإمام لا يجوز التكفير قبل الحنث لقوله عليه السلام :"من حلف على يمين ورأى غيرها خيراً فليأت بالذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه" ﴿إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَـاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ محل من أوسط النصب لأنه صفة مفعول محذوف تقديره أن تطعموا عشرة مساكين طعاماً كائناً من أوسط ما تطعمون من في عيالكم من الزوجة والأولاد والخدم أي من أقصده في النوع أو المقدار وهو نصف صاع من بر لكل مسكين كالفطرة ولو أطعم فقيراً واحداً عشرة أيام أجزأه ولو أعطاه دفعة لا يجوز إلا عن يوم واحد ﴿أَوْ كِسْوَتُهُمْ﴾ عطف على إطعام فيكسو كل واحد من العشرة ثوباً يستر عامة بدنه وهو الصحيح ولا يجزىء السراويل لأن لابسه يسمى عرياناً عرفاً ﴿أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ أي : أو إعتاق إنسان كيف ما كان مؤمناً كان أو كافراً ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً ولا يجوز الأعمى والأصم الذي
٤٣٣
لا يسمع أصلاً والأخرس لفوات جنس المنفعة ومقطوع اليدين أو إبهاميهما أو الرجلين أو يد ورجل من جانب واحد ومجنون مطبق لأن الانتفاع ليس إلا بالعقل ومدبر وأم ولد لاستحقاقهما الحرية بجهة فكان الرق فيهما ناقصاً ومكاتب أدى بعضاً لأنه تحرير بعوض فيكون تجارة والكفارة عبادة فلا بد أن تكون خالصةتعالى وكذا لا يجوز معتق بعضه لأنه ليس برقبة كاملة.
ومعنى أو في الآية إيجاب إحدى الخصال الثلاث مطلقاً وخيار التعيين للمكلف أي لا يجب عليه الإتيان بكل واحد من هذه الأمور الثلاثة ولا يجوز له تركها جميعاً ومتى أتى بواحدة منها فإنه يخرج عن العهدة فإذا اجتمعت هذه القيود الثلاثة فذاك هو الواجب المخير ﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ﴾ أي : شيئاً من الأمور المذكورة ﴿فَصِيَامُ﴾ أي : فكفارته صيام ﴿ثَلَـاثَةِ أَيَّامٍ﴾ متتابعات عند الإمام الأعظم ﴿ذَالِكَ﴾ أي الذي ذكرت لكم وأمرتكم به ﴿كَفَّارَةُ أَيْمَـانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ﴾ وحنثتم ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَـانَكُمْ﴾ بأن تضنوا بها ولا تبذلوها لكل أمر وبأن تبروا فيها ما استطعتم ولم يفت بها خير فإن عجز عن البرّ أو رأى غير المحلوف عليه خيراً منه فله حينئذٍ أن يحنث ويكفر كما قال الفقهاء : من اليمين المنعقدة ما يجب فيه البر كفعل الفرائض وترك المعاصي لأن ذلك فرض عليه فيتأكد باليمين.
ومنها ما يجب فيه الحنث كفعل المعاصي وترك الواجبات وفي الحديث :"من حلف أن يطيع الله فليطعه ومن حلف أن يعصيه فلا يعصه".
ومنها ما يفضل فيه الحنث كهجران المسلم ونحوه وما عدا هذه الأقسام الثلاثة من الإيمان التي يستوي فيها الحنث والبر يفضل فيه البر حفظاً لليمين ولا فرق في وجوب الكفارة بين العامد والناسي والمكره في الحلف والحنث لقوله عليه السلام :"ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق واليمين"
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١
﴿كَذَالِكَ﴾ إشارة إلى مصدر الفعل الآتي لا إلى تبيين آخر مفهوم مما سبق والكاف مقحمة لتأكيد ما أفاده اسم الإشارة من الفخامة ومحله في الأصل النصب على أنه نعت لمصدر محذوف وأصل التقدير يبين الله تبييناً كائناً مثل ذلك التبيين فقدم على الفعل لإفادة القصر واعتبرت الكاف مقحمة للنكتة المذكورة أي مثل ذلك البيان البديع ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَاتِهِ﴾ أعلام شريعته وأحكامه لا بياناً أدنى منه ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ نعمته فيما يعلمكم ويسهل عليكم المخرج.
والإشارة أن من عقداليمين على الهجران من الله تعالى فكفارته إطعامه عشرة مساكين وهم الحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة فإنها مدخل الآفات ومؤئل الفترات ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ وهم القلب والروح والسر والخفي وطعامهم الشوق والمحبة والصدق والإخلاص والتفويض والتسليم والرضى والأنس والهيبة والشهود والكشوف وأوسطه الذكر والتذكر والفكر والتفكر والتشوق والتوكل والتعبد والخوف والرجاء فإطعام الحواس الظاهرة والقوى الباطنة هذه الأطعمة باستعمالها في التعبد بها والتحفظ عما ينافيها أو كسوتهم وهي الباس الحواس والقوى بلباس التقوى أو تحرير رقبة النفس عن عبودية الهوى والحرض على الدنيا، فمن لم يجد السبيل إلى هذه الأشياء فصيام ثلاثة أيام وذلك لأن الأيام لا تخلو عن ثلاثة إما يوم مضى أو يوم حضر أو يوم قد بقي فصيام اليوم الذي قد مضى بالإمساك عما عقد عليه أو قصد إليه أو بالصبر على التوبة
٤٣٤
عنه وصيام الذي قد حضر بالإمساك عن التغافل عن الأهم وبالصبر على الجد والاجتهاد ببذل الجهد في طلب المراد وصيام اليوم الذي قد بقي بالإمساك عن فسخ العزيمة في ترك الجريمة ونسخ الإخلاص في طلب الخلاص وبالصبر على قدم الثبات في تقديم الطاعات والمبرات وصدق التوجه إلى حضرة الربوبية بمساعي العبودية :
مكن وقت ضايع فافسوس وحيف
كه فرصت عزيز ست والوقت سيف
قال ابن الفارض قدس سره :


الصفحة التالية
Icon