وكن صارماً كالوقت فالمقت في عسى
وإياك علّ فهي أخطر علة
وفي "المثنوي" :
أي كه صبرت نيست از دنياي دون
ونت صبرست ازخداي دوست ون
ونكه بي اين شرب كم داري سكون
ون زابراري خدا وزيشرون
اعلم أن الطالب الصادق عند غلبات الشوق ووجدان الذوق يقسم عليه بجماله وجلاله أن يرزقه شظية من إقباله ووصاله وذلك في شريعة الرضى لغو وفي مذهب التسليم سهو فيعفو عنه رحمة عليه لضعف حاله ولا يؤاخذه بمقاله وأن الأولى الذوبان والجمود بحسن الرضى بحسب جريان أحكام المولى في القبول والرد والإقبال والصدّ إيثار الاستقامة في أداء حقوقه على الكرامة وعلى لذة تقريبه وإقباله وشهوده ووصوله ووصاله كما قال قائلهم :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١
أريد وصاله ويريد هجري
فاترك ما أريد لما يريد
كذا في "التأويلات النجمية".
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ} هذه هي الآية الرابعة من الآيات الأربع التي نزلت في الخمر وقد سبق التفصيل في سورة البقرة ويدخل في الخمر كل مسكر ﴿وَالْمَيْسِرُ﴾ أي : القمار كله فيدخل فيه النرد والشطرنج والأربعة عشر والكعب والبيضة وغير ذلك مما يقامرون به ﴿وَالانصَابُ﴾ أي الأصنام المنصوبة للعبادة واحدها نصب بفتح النون وسكون الصاد ﴿وَالازْلَـامُ﴾ هي سهام مكتوب على بعضها أمرني ربي وعلى بعضها نهاني ربي يطلبون بها علم ما قسم من الخير والشر، قال المفسرون كان أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم سفراً أو غزواً أو تجارة أو غير ذلك طلب علم أنه خير أو شر من الأزلام وهي قداح كانت في الكعبة عند سدنة البيت على بعضها أمرني ربي وعلى بعضها نهاني ربي وبعضها غفل لا كتابة عليها ولا علامة فإن خرج السهم الآمر مضوا على ذلك وإن خرج الناهي يجتنبون عنه وإن خرج الغفل أجالوها ثانياً فمعنى الاستقسام بالأزلام طلب معرفة ما قسم لهم دون ما لم يقسم لهم وهي جمع زلم ﴿رِجْسٌ﴾ قذر يعاف عند العقول أي تكرهه وتنفر منه العقول السليمة.
والرجس بمعنى النجس إلا أن النجس يقال في المستقذر طبعاً والرجس أكثر ما يقال في المستقذر عقلاً وسميت هذه المعاصي رجساً لوجوب اجتنابها كما يجب اجتناب الشيء المستقذر ﴿مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَـانِ﴾ صفة لرجس أي رجس كائن من عمله أي من تزيينه لأنه هو الداعي إليه والمرغب فيه والمزين له في قلوب فاعليه ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ أي : الرجس ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أي : راجين فلاحكم أمر بالاجتناب وهو تركه جانباً وظاهر الأمر على الوجوب.
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَـانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ وهو
٤٣٥
إشارة إلى المفاسد الدنيوية، أما العداوة في الخمر فهي أن الشاربين إذا سكروا عربدوا وتشاجروا كما فعل الأنصاري الذي شج سعد بن أبي وقاص بلحي الجمل.
وأما العداوة في الميسر فهي أن الرجل كان يقامر على الأهل والمال ثم يبقى حزيناً مسلوب الأهل والمال مغتاظاً على حرفائه والفرق بين العداوة والبغضاء أن كل عدو مبغض بلا عكس كلي.
وقوله تعالى في الخمر متعلق بيوقع على أن تكون كلمة في هنا لإفادة معنى السببية كما في قوله عليه السلام :"إن امرأة دخلت النار في هرة" أي : يوقع بينكم هذين الشيئين في الخمر بسبب شربها وتخصيص الخمر والميسر تنبيهاً على أنهما المقصودان بالبيان لأن هذه الآية خطاب مع المؤمنين والمقصود نهيهم عن الخمر والميسر وإنما ضم الأنصاب والأزلام إليهما مع أن تعاطيهما مختص بأهل الجاهلية تأكيداً لقبح الخمر والميسر وإظهاراً لكون هذه الأربعة متقاربة في المفسدة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١
﴿وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَواةِ﴾ أي : يمنعكم عنهما وهو إشارة إلى المفاسد الدينية فإن شرب الخمر يورث الطرب واللذة الجسمانية والنفس إذا استغرقت في اللذة غفلت عن ذكر الله وعن الصلاة وكذا من يقامر بالميسر إن كان غالباً صار استغراقه في لذة الغلبة يورثه الغفلة عن العبادة وإن صار مغلوباً صار شدة اهتمامه بأن يحتال بحيلة يصير بها غالباً مانعاً من أن يخطر بباله شيء سواه وتخصيص الصلاة بالأفراد مع دخولها في الذكر للتعظيم والإشعار بأن الصاد عنها كالصاد عن الإيمان لما أنها عماده ﴿فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ لفظه استفهام ومعناه أمر أي انتهوا وهذا نهى بألطف الوجوه ليكون أدعى إلى الانتهاء فلما سمعها عمر رضي الله عنه قال : انتهينا يا رب وحرمت الخمر في سنة ثلاث من الهجرة بعد وقعة أحد ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ فيما أمرا به وهو عطف على اجتنبوه ﴿وَاحْذَرُوا﴾ عما نهيا عنه ﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ﴾ أي أعرضتم عن الامتثال والطاعة ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَـاغُ الْمُبِينُ﴾ وقد فعل ذلك بما لا مزيدة عليه وخرج عن عهدة الرسالة أي خروج وقامت عليكم الحجة انتهت الأعذار وانقطعت العلل وما بقي بعد ذلك إلا العقاب.