اعلم أن الله تعالى قرن الخمر والميسر بالأصنام ففيه تحريم بليغ لهما ولعل قوله عليه السلام :"شارب الخمر كعابد الوثن" مستفاد من هذه الآية وفي الحديث "من شرب الخمر في الدنيا سقاه الله من سم الأساود وسم العقارب إذا شربه تساقط لحم وجهه في الإناء قبل أن يشربها فإذا شربها تفسخ لحمه كالجيفة يتأذى به أهل الموقف ومن مات قبل أن يتوب من شرب الخمر كان حقاً على الله أن يسقيه بكل جرعة شربها في الدنيا شربة من صديد جهنم" وفي الحديث :"لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها" وفي الحديث :"من شرب الخمر بعد أن حرمها الله على لساني فليس له أن يزوج إذا خطب ولا يصدق إذا حدث ولا يشفع إذا تشفع ولا يؤمن على أمانة فمن ائتمنه على أمانته فاستهلكها فحق على الله أن لا يخلف عليه"، قال الحسين الواعظ الكاشفي في تفسيره :
بي نمكي دان جكر آميخته
بر جكر بي نمكان ريخته
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١
بي خبر آن مردكه يزي شيد
كش قلم بي خبري دركشيد
٤٣٦
والإشارة يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} إيماناً حقيقياً مستفاداً من كتابة الحق بقلم العناية في قلوبهم ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالانصَابُ وَالازْلَـامُ﴾ فأما الخمر فإنها تخمر العقل وهو نور روحاني علوي من أوليات المخلوقات ومن طبعه الطاعة والإنقياد والتواضع لربه كالملك وضده الهوى وهو ظلماني نفساني سفلي من أخريات المخلوقات ومن طبعه التمرد والمخالفة والآباء والاستكبار عن عبادة ربه كالشيطان فإذا خمر الخمر نور العقل صار مغلوباً لا يهتدي إلى الحق وطريقه ثم يغلب ظلمة الهوى فتكون النفس أمارة بالسوء وتستمد من الهوى فتتبع بالهوى السفلي جميع شهواتها النفسانية ومستلذاتها الحيوانية السفلية فيظفر بها الشيطان فيوقعها في مهالك المخالفات كلها ولهذا قال عليه السلام :"الخمر أم الخبائث" لأن هذه الخبائث كلها تولدت منها، وأما الميسر فإن فيه تهيج أكثر الصفات الذميمة وهي الحرص والبخل والكبر والغضب والعداوة والبغض والحقد والحسد وأشباهها وبها يضل العبد عن سواء السبيل، وأما الأنصاب فهي تعبد من دون الله فهي تصير العبد مشركاً بالله، وأما الأزلام فما يلتفت إليه عند توقع الخير والشر والنفع والضر من دون الله تعالى من المضلات فإن الله هو الضار والنافع ثم قال تعالى :﴿رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَـانِ﴾ يعني : هذه الأشياء أخبث شيء من أعمال الشيطان التي يغوي بها العباد ويضلهم عن صراط الحق وطريق الرشاد ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ أي : اجتنبوا الشيطان ولا تقبلوا وساوسه واتركوا هذه الأعمال الخبيثة ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ تخلصون من مكايد الشيطان وخباثة هذه الأعمال كذا في "التأويلات النجمية" ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ جُنَاحٌ﴾ أي إثم وحرج ﴿فِيمَا طَعِمُوا﴾ أي : تناولوا أكلاً أو شرباً فيتناول شرب الخمر وأكل مال الميسر فأنزل الله تعالى هذه الآية ﴿إِذَا مَا اتَّقَوا﴾ أن يكون في ذلك شيء من المحرمات ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ﴾ أي : واستمروا على الإيمان والأعمال الصالحة
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١
﴿ثُمَّ اتَّقَوا﴾ عطف على اتقوا داخل معه في حيز الشرط أي اتقوا ما حرم عليهم بعد ذلك مع كونه مباحاً فيما سبق ﴿وَّءامَنُوا﴾ أي : بتحريمه ﴿ثُمَّ اتَّقَوا﴾ أي : ما حرم عليهم بعد ذلك مما كان مباحاً من قبل على أن الشروط بالاتقاء في كل مرة إباحة كل ما طعموه في ذلك الوقت لا إباحة كل ما طعموه قبله لانتساخ إباحة بعضه حينئذٍ ﴿وَّأَحْسَنُوا﴾ أي : عملوا الأعمال الحسنة الجميلة المنتظمة لجميع ما ذكر من الأعمال القلبية والقالبية ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ فلا يؤاخذهم بشيء وفيه أن من فعل ذلك صار محسناً ومن صار محسناً صارمحبوباً ومقام المحبوبية فوق جميع المراتب ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم حبيب الله وقد فسر الإحسان "بأن تعبد الله كأنك تراه" يعني : أن الإحسان مرتبة المشاهدة فإذا ترقى العبد من الإيمان الغيبي إلى الإيمان الشهودي ثم فني عن كل قيد حتى عن الإطلاق فقد تم أمره وكان طعمه وشربه وتصرفه في المكونات مما لا يضره لأنه قد استوفى الشرائط كلها فلا يقاس عليه غيره ثم إن المحسن مطلقاً يتناول كل أهل ويستحق المدح والثناء :
وفي "المثنوي" :
محسنان مردندو إحسانها بماند
أي خنك آن راكه اين مركب براند
٤٣٧
ظالمان مردندو ماند آن ظلمها
وأي جاني كوكند مكرودهان
كفت يغمبر خنك آنراكه او
شد زدنيا ماندازو فعل نكو
مرد محسن ليك احسانش نمرد
نزد يزدان دين وإحسان نيست خرد
وأي آن كو مرد وعصيانش نمرد
تاننداري بمرك أو جان ببرد