وورد في فضائل عشر ذي الحجة "أن من تصدق في هذه الأيام بصدقة على مسكين فكأنما تصدق على رسل الله وأنبيائه ومن عاد فيه مريضاً فكأنما عاد أولياء الله وبدلاءه ومن شيع جنازة فكأنما شيع جنائز شهداء بدر ومن كسا مؤمناً كساه الله تعالى من حلل الجنة ومن ألطف يتيماً أظله الله في القيامة تحت عرشه ومن حضر مجلساً من مجالس العلم فكأنما حضر مجالس أنبياء الله ورسوله" كذا في "روضة العلماء"، قال السعدي قدس سره :
بإحساني آسوده كردن دلي
به ازالف ركعت بهر منزلي
ـ حكي ـ أنه وقع القحط في بني إسرائيل فدخل فقير سكة من السكك وكان فيها بيت غني فقال : تصدقوا علي لأجل الله فأخرجت إليه بنت الغني خبزاً حاراً فاستقبله الغني فقال : من دفع إليك هذا الخبز؟ فقال : ابنة من هذا البيت فدخل وقطع يد ابنته اليمنى فحول الله حاله فافتقر ومات فقيراً ثم إن شاباً غنياً استحسن الابنة لكونها حسناء فتزوجها وأدخلها داره فلما جن الليل أحضرت مائدة فمدت اليد اليسرى فقال الفتى : سمعت أن الفقراء يكونون قليلي الأدب فقال : مدي يدك اليمنى فمدت اليسرى ثانياً وثالثاً فهتف بالبيت هاتف اخرجي يدك اليمنى فالرب الذي أعطيت الخبز لأجله رد عليك يدك اليمنى فأخرجت يدها اليمنى بأمر الله تعالى وأكلت معه كذا في "الروضة" :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١
تونيكي كن بآب انداز اي شاه
اكر ما هي نداند داند الله
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} نزلت عام الحديبية في السنة السادسة من الهجرة.
والحديبية بتخفيف الياء الأخيرة وقد تشدد موضع قريب من مكة أراد عليه السلام زيارة الكعبة فسار مع أصحابه من المدينة وهم ألف وخمسمائة وأربعون رجلاً فنزلوا بالحديبية فابتلاهم الله بالصيد وهم محرمون كانت الوحوش تغشاهم في رحالهم بحيث كانوا متمكنين من صيدها أخذاً بأيديهم وطعناً برماحهم فهموا بأخذها فأنزل الله يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} ﴿لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ﴾ يقال بلوته بلواً جربته واختبرته واللام جواب قسم محذوف أي والله ليعاملنكم معاملة من يختبركم ليتعرف أحوالكم ﴿بِشَىْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ﴾ أي بتحريم شيء حقير هو الصيد بمعنى المصيد كضرب الأمير فمن بيانية قطعاً والمراد صيد البر مأكولاً وغير مأكول ما عدا المستثنيات من الفواسق فاللام للعهد وفي الحديث :"خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والعقرب والغراب والفأرة والكلب العقور" وأراد بالكلب العقور الذئب على ما ورد في بعض الروايات ﴿تَنَالُه أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ﴾ أي تصل إليه أيديكم ورماحكم بحيث تأخذون بأيديكم وتطعنون برماحكم فالتأكيد القسمي في ليبلونكم إنما هو لتحقيق ما وقع من أن عدم توحش الصيد عنهم ليس إلا لابتلائهم لا لتحقيق وقوع المبتلى به كما لو كان
٤٣٨
النزول قبل الابتلاء وتنكير شيء للتحقير المؤذن بأن ذلك ليس من الفتن الهائلة التي تزل فيها أقدام الراسخين كالابتلاء بقتل الأنفس وإتلاف الأموال وإنما هو من قبيل ما ابتلى به أهل أيلة من صيد السمك يوم السبت وفائدته التنبيه على أن من لم يثبت في مثل هذا كيف يثبت عند ما هو أشد منه من المحن ﴿لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُه بِالْغَيْبِ﴾ الخوف من الله بمعنى الخوف من عقابه وبالغيب حال من مفعول يخافه وهو عقاب الله أي ليتميز الخائف من عقابه الأخروي وهو غائب مترقب لقوة إيمانه فلا يتعرض للصيد ممن لا يخاف كذلك لضعف إيمانه فيقدم عليه فعلم الله تعالى لما كان مقتضى ذاته وامتنع عليه التجدد والتغير كما امتنع ذلك على ذاته جعل ههنا مجازاً عن تميز المعلوم وظهوره على طريق إطلاق السبب على المسبب حيث قال القاضي ذكر العلم وأراد وقوع المعلوم وظهوره وأبو السعود إنما عبر عن ذلك بعلم الله اللازم له إيذاناً بمدار الجزاء ثواباً وعقاباً فإنه أدخل في حملهم على الخوف ﴿فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذالِكَ﴾ أي بعد بيان أن ما وقع ابتلاء من جهته تعالى بما ذكر من الحكمة والمعنى فمن تعرض للصيد بعدما بينا أن ما وقع من كثرة الصيد وعدم توحشه منهم ابتلاء مؤدّ إلى تميز المطيع من العاصي ﴿فَلَه عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ لأن الاعتداء بعد ذلك مكابرة صريحة وعدم مبالاة بتدبير الله وخروج عن طاعته وانخلاع عن خوفه وخشيته بالكلية والمراد عذاب الآخرة إن مات قبل التوبة والتعزير والكفارة في الدنيا بنزع ثيابه فيضرب ضرباً وجيعاً مفرقاً في أعضائه كلها ما خلا الوجه والرأس والفرج ويؤمر بالكفارة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١


الصفحة التالية
Icon