﴿مِنَ النَّعَمِ﴾ بياناً للهدي المشترى بالقيمة على أحد وجوه التخيير فإن فعل ذلك يصدق عليه أنه جزى بمثل ما قتل من النعم والنعم في اللغة من الإبل والبقر والغنم فإذا انفردت الإبل قيل إنها نعم وإذا انفردت البقر والغنم لم تسم نعماً ﴿يَحْكُمُ بِهِ﴾ أي : بمثل ما قتل صفة لجزاء ﴿ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ أي رجلان عدلان من
٤٤٠
المسلمين ﴿هَدْيَا﴾ الهدي ما يهدي إلى البيت تقرباً إلى الله تعالى من النعم أيسره شاة وأوسطه بقرة وأعلاه بدنة أي ناقة وهو حال مقدرة من الضمير في به والمعنى مقدراً أنه يهدي ﴿بَـالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ صفة لهديا لأن الإضافة لفظية والأصل بالغاً الكعبة ومعنى بلوغه الكعبة ذبحه بالحرم حتى لو دفع الهدى المماثل للمقتول إلى فقراء الحرم لم يجز بالاتفاق بل يجب عليه ذبحه في الحرم وله أن يتصدق به بعد ذبحه في الحرم حيث شاء عند أبي حنيفة ﴿أَوْ كَفَّارَةٌ﴾ عطف على محل من النعم على أنه خبر مبتدأ محذوف والجملة صفة ثانية الجزاء ﴿طَعَامُ مَسَـاكِينَ﴾ عطف بيان لكفارة عند من لا يخصصه بالمعارف ﴿أَوْ عَدْلُ ذَالِكَ صِيَامًا﴾ عطف على طعام الخ كأنه قيل فعليه جزاء مماثل للمقتول هو من النعم أو طعام مساكين أو صيام أيام بعددهم فحينئذٍ تكون المماثلة وصفاً لازماً للجزاء يقدر به الهدى والطعام والصيام.
أما الأولان فبلا واسطة، وأما الثالث فبواسطة الثاني فيختار الجاني كلاً منها بدلاً من الآخرين، قال الفراء العدل بالكسر المثل من جنسه والعدل بالفتح المثل من غير جنسه فعدل الشيء ما عادله من جنسه كالصوم والإطعام وعدله ما عدل به في المقدار كأن المفتوح تسمية بالمصدر والمكسور بمعنى المفعول وذلك إشارة إلى الطعام وصياماً تمييز للعدل والخيار في ذلك للجاني عند أبي حنيفة وأبي يوسف وللحكمين عند محمد ﴿لِّيَذُوقَ﴾ متعلق بالاستقرار في الجار والمجرور أي فعليه جزاء ليذوق قاتل الصيد ﴿وَبَالَ أَمْرِهِ﴾ أي : سوء عاقبة هتكه لحرمة الإحرام والوبال في الأصل المكروه والضرر الذي ينال في العاقبة من عمل سولته نفسه ﴿عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ﴾
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١
من قتل الصيد محرماً قبل التحريم ﴿وَمَنْ عَادَ﴾ إلى قتل الصيد بعد النهي عنه وهو محرم ومن شرطية ﴿فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ﴾ أي فهو ممن ينتقم الله منه لأن الفعل إذا وقع جزاء لا يحتاج إلى الحرف بخلاف الجملة الإسمية فقدر المبتدأ لئلا تصير الفاء الجزائية لغواً والمراد بالانتقام التعذيب في الآخرة وأما الكفارة فعن بعضهم أنها واجبة على العائد وعن بعضهم أنه لا كفارة عليه تعلقاً بالظاهر وأصل الانتقام الانتصار والانتصاف وإذا أضيف إلى الله تعالى أريد به المعاقبة والمجازاة ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ﴾ غالب لا يغالب ﴿ذُو انتِقَامٍ﴾ شديد ممن أصر على العصيان والاعتداء قال الله تعالى مخاطباً لخليله (يا إبراهيم خف مني كما تخاف من السبع الضاري) يعني إن الله تعالى إذا أراد إجراء قضائه على أحد لا يفرق بين نبي وولي وعدو كما لا يفرق السبع المفترس بين نفاع وضرار فهوتعالى شديد البطش فكيف يتخلص المجرمون من يد قهره وانتقامه فليحذر العاقل من المخالفة والعصيان بقدر الاستطاعة والإمكان أينما كان فإن الإنسان لا يحصد إلا ما يزرع، قال في "المثنوي" :
جمله دانند اين اكر تونكروي
هره مي كاريش روزي بدروي
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١
والعجب أن الإنسان الضعيف كيف يعصي الله القوي وليس إلا من الانهماك في الشهوات والغفلة عن الله تعالى والنكتة في قوله تعالى : يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} أنه أباح الصيد لمن كان حلالاً وهم أهل السلو من العوام الذين رضوا من الكمالات الدينية بالأعمال البدنية من قصور هممهم الدنية وحرم الصيد على من كان حراماً وهم أهل
٤٤١


الصفحة التالية
Icon