المحبة المحرمون من الدنيا لزيارة كعبة الوصلة يعني من قصدنا فعليه بحسم الاطماع جملة ولا ينبغي أن يكون له مطالبة بحال من الأحوال إلا طلب الوصال ويقال العارف صيد الحق ولا يكون للصيد صيد ﴿وَمَن قَتَلَه مِنكُم﴾ أي من الطلاب إذا التفت لشيء من الدنيا ﴿مُّتَعَمِّدًا﴾ وهو واقف على مضرته وعالم بما فيه فيغلب عليه الهوى ويقع فيه بحرص النفس ﴿فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ يجازي نفسه برياضة ومجاهدة ويماثل ألمها تلك اللذة والشهوة ﴿يَحْكُمُ بِه ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ وهو القلب والروح يحكمان على مقدار الإيمان وعلى أنواع الرياضات بتقليل الطعام والشراب أو ببذل المال أو بترك الجام أو بالعذلة والخلوة وضبط الحواس ﴿هَدْيَا بَـالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ أي خالصاًتعالى فيما يعمل بحيث يصلح لقبول الحق من غير ملاحظة الخلق ﴿أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَـاكِينَ﴾ وهم العقل والقلب والسر والروح والخفي فإنهم كانوا محرمين من أغذيتهم الروحانية من صدق التوجه إلى الحق وخلوص الاعراض عن الخلق وتجرع الصبر على المكروهات والفطام عن المألوفات والشكر على الموهوبات والرضى بالمقدرات والتسليم للأحكام الأزليات ﴿أَوْ عَدْلُ ذَالِكَ صِيَامًا﴾ والصيام هو الإمساك عن ملاحظة الأغيار وطلب الاختيار والركون إلى غير الملك الجبار ﴿لِّيَذُوقَ﴾ النفس الأمارة ﴿وَبَالَ أَمْرِهِ﴾ أي : تتألم بألم هذه المعاملات التي على خلاف طبعها جزاء وكفارة لما نالت من لذائذ الشهوات وحلاوة الغفلات ﴿عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ﴾ من الطالبين قبل إقدامهم على الطلب ﴿وَمَنْ عَادَ﴾ إلى تعلق شيء من الدنيا بعد الخروج عنها بقدم الصدق ﴿فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ﴾ بالخذلان في الدنيا والخسران في العقبى ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ﴾ لا يوجد لمن تعلق بالكونين حتى يتجرد الطالب عن القليل والكثير والصغير والكبير ﴿ذُو انتِقَامٍ﴾ ينتقم من أحبائه باحتجاب التعزز بالكبرياء والعظمة على قدر التفاتهم إلى غيره وملاحظتهم ما سواه وينتقم من أعدائه بما قاله ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْـاِدَتَهُمْ وَأَبْصَـارَهُمْ﴾ (الأنعام : ١١٠) الآية من "التأويلات النجمية" وفي "المثنوي" :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١
عاشق صنع توام درشكر وصبر
عاشق مصنوع كي باشم وكبر
عاشق صنع خدا بافر بود
عاشق مصنوع او كافر بود
فعلى الطالب الصادق أن ينقطع عن الالتفات إلى الغير ويتصل إلى من بيده الخير والله الموفق والمعين.
﴿أُحِلَّ لَكُمُ﴾ الخطاب للمحرمين ﴿صَيْدُ الْبَحْرِ﴾ أي : ما يصاد في المياه كلها بحراً كان أو نهراً أو غديراً وهو ما لا يعيش إلا في الماء مأكولاً كان أو غير مأكول، فما يعيش في البر كالبط والضفدع والسرطان والسلحفاة وجميع طيور الماء لا يسمى صيد البحر بل ذلك صيد البر ويجب الجزاء على قاتله.
قال الإمام جميع ما يصطاد في البحر ثلاثة أجناس : السمك وجميع أنواعه حلال، والضفادع وجميع أنواعها حرام، واختلفوا فيما سوى هذين الجنسين.
فقال أبو حنيفة : أنه حرام، وقال الأكثرون إنه حلال لعموم هذه الآية وقال محيى السنة جملة حيوانات الماء على قسمين سمك وغيره.
أما السمك فميتته حلال مع اختلاف أنواعها قال النبي عليه الصلاة والسلام :"أحلت لنا ميتتان
٤٤٢
السمك والجراد" ولا فرق بين أن يموت بسبب أو بغير سبب وعند أبي حنيفة يحل إلا أن يموت بسبب من وقوع على حجر أو انحسار الماء عنه ونحو ذلك.
وأما غير السمك فقسمان قسم يعيش في البر كالضفدع والسرطان ولا يحل أكله وقسم يعيش في الماء ولا يعيش في البر إلا عيش المذبوح فاختلف فيه فذهب قوم إلى أن لا يحل شيء منها إلا السمك وهو قول أبي حنيفة وذهب قوم إلى أن ميتة الكل حلال لأن كلها سمك وإن اختلف صورها كالجريت يقال له حية الماء لكونه على شكل الحية وأكله مباح بالاتفاق ﴿وَطَعَامُهُ﴾ أي : طعام البحر وهو ما قذفه البحر ولفظه أو نضب عنه الماء أي غار وبقي هو في أرض يابسة فيؤخذ من غير معالجة في أخذه.
وقال المولى أبو السعود : وطعامه أي : ما يطعم من صيده وهو تخصيص بعد التعميم والمعنى أحل لكم التعرض لجميع ما يصاد في المياه والانتفاع به انتهى ﴿مَتَـاعًا لَّكُمْ﴾ نصب على أنه مفعول له.
قال المولى أبو السعود مختص بالطعام كما أن نافلة في قوله تعالى :﴿وَوَهَبْنَا لَه إِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً﴾ (الأنبياء : ٧٢) حال مختصة بيعقوب أي : أحل لكم طعامه تمتعاً للمقيمين يأكلونه طرياً ﴿وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ منكم يتزودونه قديداً
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١


الصفحة التالية
Icon