﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ﴾ اى صيرها وانما سمى البيت كعبة لتكعبه اى لتربعه والعرب تسمى كل بيت مربع كعبة تشبيها له بكعب الرجل الذى عند ملتقى الساق والقدم فى كونه على هيئته فى التربيع.
وقيل سميت كعبة لارتفاعها عن الارض واصلها من الخروج والارتفاع وسمى الكعب كعبا لنتوه وخروجه من جانبى القدم ومنه قيل للجارية اذا قاربت البلوغ وخرج ثدياها كاعب والكعبة لما ارتفع ذكرها فى الدنيا واشتهر امرها فى العالم سميت بهذا الاسم ولذلك انهم يقولون لمن عظم قدره وارتفع شأنه فلان علا كعبهقال صاحب اسئلة الحكم جعل الله لبيته العتيق اربعة اركان وهى فى الحقيقة ثلاثة اركان لانه شكل مكعب ولذلك سميت بالكعبة تشبيها بالكعب فسرّ كونه على اربعة اركان بالوضع الحادث اشارة الى قلوب المؤمنين لان قلب المؤمن لا يخلو من اربعة خواطر آلهى وملكى ونفسانى وشيطانى فركن الحجر بمنزلة الخاطر الالهى واليمانى بمنزلة الملكى والشامى بمنزلة النفسانى والركن العراقى بمنزلة الشيطانى لان الشرع شرع ان يقال عنده اعوذ بالله من الشقاق والنفاق وبالذكر المشروع تعرف مراتب الاركانواما سر كونه مثلث الشكل المكعب فاشارة الى قلوب الانبياء عليهم السلام ليميز الله رسله وانبياءه بالعصمة التى اعطاهم والبسهم اياها فليس لنبى الا ثلاثة خواطر الهى وملكى ونفسى ولغيرهم هذه وزيادة الخاطر الشيطانى فمنهم من ظهر حكمه عليه فى الظاهر وهم عامة الخلق ومنهم من يخطر له ولا يؤثر فى ظاهره وهم المحفوظون من اوليائه بالعصمة الوجوبية للانبياء والحفظ الجوازى للاولياء ﴿الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ عطف بيان على جهة المدح دون التوضيح كما تجىء الصفة كذلك وسمى البيت الحرام لان الله تعالى حرمه وعظم حرمته فالحرام بمعنى المحرم وفى الحديث ان الله تعالى حرم مكة يوم خلق السموات والارض قال بان ملك اعلم ان مكة شرفها الله حرمها ابراهيم عليه السلام لما صح عن النبى عليه الصلاة والسلام انه قال ان ابراهيم حرم مكة وانى حرمت المدينة وما روى انه عليه السلام قال ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات فالمراد به كتابته فى اللوح المحفوظ ان ابراهيم سيحرمه انتهى كلامهيقول الفقير ان حرمته العرضية وان كانت حادثة لكن حرمته الذاتية
٤٤٤
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٤٤
قديمة وتلك الكتابة من الحرمة الذاتية عند الحقيقة.
وقد جاء في بعض التفاسير في قوله تعالى ﴿ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآاـاِعِينَ﴾ (فصلت : ١١) أنه لم يجبه بهذه المقالة من الأرض إلا أرض الحرم فلذلك حرمها فصارت حرمتها كحرمة المؤمن إنما حرم دمه وعرضه وما له بطاعته لربه فارض الحرم لما قالت أتينا طائعين حرم صيدها وشجرها وخلاها فلا حرمة إلا لذي طاعة وفي الخبر : لم يأكل الحيتان الكبار صغارها في أرض الحرم في الطوفان لحرمتها.
﴿قِيَـامًا لِّلنَّاسِ﴾ مفعول ثان للجعل ومعنى كونه قياماً لهم أنه مدار لقيام أمر دينهم ودنياهم.
أما الأول فلأنه يتوجه إليه الحجاج والعمار فيكون ما في البيت من المناسك العظيمة والطاعات الشريفة سبباً لحط الخطيآت وارتفاع الدرجات ونيل الكرامات.
وأما الثاني فلأنه يجبي إلى الحرم ثمرات كل شيء يربح فيه التجار وكانوا يأمنون فيه من النهب والغارة ولا يتعرض لهم أحد بسوء في الحرم حتى أن الرجل إذا أصاب ذنباً في الجاهلية والإسلام أو قتل قتيلاً لجأ إلى الحرم ويأمن فيه، قال المحيى في فتوح الحرمين مدحاً لحضرة الكعبة :
هي نبي هي ولي هم نبود
كه اونه برين دررخ اميد سود
هادىء ره نيست بجز لطف دوست
آمدنت را طلب از نزد اوست
تا نزند سر ز من نو كلي
نغمه سراً يى نكند بلبلي


الصفحة التالية
Icon