ـ روي ـ أنه عليه السلام قال في حقه :"رأيت عمرو بن لحى الخزاعي يجر قصبه في النار يؤذي أهل النار بريح قصبه" والقصب المعي هذا شأن رؤسائهم وكبارهم ﴿وَأَكْثَرُهُمْ﴾ وهم أراذلهم الذين يوقعونهم في معاصي رسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿لا يَعْقِلُونَ﴾ أنه اقتراء باطل حتى يخالفون ويهتدوا إلى الحق بأنفسهم فيبقون في أسر التقليد ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ أي : للأكثر على سبيل الهداية والإرشاد.
﴿تَعَالَوْا إِلَى مَآ أَنزَلَ اللَّهُ﴾ من الكتاب المبين للحلال والحرام ﴿وَإِلَى الرَّسُولِ﴾ الذي أنزل هو عليه لتقفوا على حقيقة الحال وتميزوا الحرام من الحلال ﴿قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ﴾ بيان لعنادهم واستعصائهم على الهادي إلى الحق وانقيادهم للداعي إلى الضلال.
وحسبنا مبتدأ وما وجدنا خبره وهو في الأصل مصدر والمراد
٤٥١
به اسم الفاعل أي : كافينا الذي وجدنا عليه آباءنا.
﴿أَوَلَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْـاًا وَلا يَهْتَدُونَ﴾ الواو للعطف على شرطية أخرى مقدرة قبلها والتقدير أيحسبهم ذلك أي أيكفيهم وجدان آبائهم على هذا المقال أو أيقولون هذا القول ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً من الدين ولا يهتدون للصواب والمعنى أن الاقتداء إنما يكون بمن علم أنه عالم مهتد وذلك لا يعرف إلا بالحجة.
قال الحسين الواعظ في تفسيره :(يعني ايشان جاهل وكمراه بودند تقليد إيشان نافع نيست بلكه تقليد عالم مي بايد تاكار بتحقيق آنجامد) قال جلال الدين رومي قدس سره في الثثنوي :
از مقلد تا محقق فرقها ست
اين يكي كوهست وإن ديكر صداستدست در بينا زنى آيى براه
دست در كوري زنى افتى باه قال الشيخ علي دده في "أسئلة الحكم" : أما ما ورد في الأحاديث النبوية في حق الدجاجلة وظهورها بين الأمة فلا شك عند أهل العلم أن الدجاجلة هم الأئمة المضلون لا سيما من متصوفة الزمان أو متشيخيهم وقد شاهدناهم في عصرنا هذا قاتلهم الله حيثما كانوا انتهى.
قال بعضهم قلت لمتشبه بالصوفية ظاهراً بعني جبتك لما علم من أحواله فقال : إذا باع الصياد شبكته فبأي شيء يتصيد :
بروى ريا خرقه سهلست دوخت
كرش باخدا در تواني فروخت
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٤٤
بنزديك من شبرو راهزن
به از فاسق يا رسا ويرهن
والإشارة أن الشيطان كلما سلط على قوم أغراهم على التصرف في إنعام أجسامهم ونفوسهم مبتدعين غير متبعين وهم يزعمون أن هذه التصرفاتوفي الله وفي قوله ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنا بَحِيرَةٍ﴾ إشارة إلى من يتصرف بما لم يؤمر به كمن يشق أذنه أو يثقبها ويجعل فيها الحلقة من الحديد أو يثقب صدره أو ذكره ويجعل عليه القفل أو يجعل في عنقه الغل أو يحلق لحيته مثل ما يفعل هؤلاء القلندرية قال الحافظ قدس سره :
قلندري نه بريشست وموي يا ابرو
حساب راه قلندر بدانكه موى بموست
كذشتن از سرمو در قلندري سهلست
و حافظ آنكه زسر بكذر قلندراوست
﴿وَلا سَآاـاِبَةٍ﴾ وهم الذين يدورون في البلاد مسيبين خليعي العذار يرتعون في مراتع البهيمية والحيوانية بلا لجام الشريعة وقيد الطريقة وهم يدعون أنهم أهل الحق قد لعب الشيطان بهم فاتخذوا إلههم هواهم ﴿وَلا وَصِيلَةٍ﴾ وهم الذين يبيحون المحرمات ويستحلون الحرمات ويتصلون بالأجانب من طريق الأخوة والأبوة والزنادقة فيغتر به ويظن أنه بلغ مقام الوحدة وأنه محمي عن النقصان بكل حال ولا يضره مخالفات الشريعة إذ هو بلغ مقام الحقيقة فهذا كله من وساوس الشيطان وهواجس النفس ما أمر الله بشيء من ذلك ولا رخص لأحد فيه فهؤلاء الذين وضعوا هذه الطريقة وابتدعوها لا يعلمون شيئاً من الشريعة والطريقة ولا يهتدون إلى الحقيقة فإنهم أهل الطبيعة وأرباب الخديعة ولقد شاعت في الآفاق فتنهم وكملت فيهم غرتهم ومالهم من دافع ولا مانع ولا وازع على أن الخرق قد اتسع على الراقع :
أرى ألف بأن لا يقوم بهادم
فكيف ببان خلفه ألف هادم
٤٥٢
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} أي : الزموا إصلاح أنفسكم وحفظها مما يوجب سخط الله وعذاب الآخرة ﴿لا يَضُرُّكُم﴾ ضلال ﴿مَّن ضَلَّ﴾ بالفارسي (زياني نرساند شمارا بي راهيء آنكس كه كمراه شد) ﴿إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ إذا كنتم مهتدين.
والآية نزلت لما كان المؤمنون يتحسرون على الكفرة ويتمنون إيمانهم وفيهم من الضلال بحيث لا يكادون يرعوون عنه بالأمر والنهي ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ لا لأحد سواه ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾ رجوعكم يوم القيامة ﴿جَمِيعًا﴾ الضلال والمهتدي ﴿فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ في الدنيا من أعمال الهداية والضلال أي : فيجازيكم على ذلك فهو وعد ووعيد للفريقين المهتدين والضالين وتنبيه على أن أحداً لا يؤاخذ بعمل غيره ولا يتوهّمنّ أن في الآية رخصة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع استطاعتهما كيف لا ومن جملة الاهتداء أن ينكر على المنكر حسب الطاقة :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٤٤


الصفحة التالية
Icon