أي : اطلع بعد التحليف ﴿عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّآ إِثْمًا﴾ أي : فعلاً ما يوجب إثماً من تحريف وكتم بأن ظهر بأيديهما شيء من التركة وادعيا استحقاقهما له بوجه من الوجوه ﴿فَـاَاخَرَانِ﴾ أي : رجلان آخران وهو مبتدأ خبره ﴿يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا﴾ أي : مقام اللذين عثر على خيانتهما وليس المراد بمقامهما مقام أداء الشهادة التي تولياها ولم يؤدياها كما هي بل هو مقام الحبس والتحليف على الوجه المذكور لإظهار الحق ﴿مِنَ الَّذِينَ﴾ حال من فاعل يقومان أي : من أهل الميت الذين ﴿اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الاوْلَيَـانِ﴾ من بينهم أي : الأقربان إلى الميت الوارثان له الأحقان بالشهادة أي : باليمين ومفعول استحق محذوف أي : استحق عليهم أن يجردوهما للقيام بالشهادة ويظهروا بهما كذب الكاذبين وهما في الحقيقة الآخران القائمان مقام الأولين على وضع المظهر مقام المضمر فاستحق مبني للفاعل والأوليان فاعله وهو تثنية الأولى بالفتح بمعنى الأقرب.
وقرىء على البناء للمفعول وهو الأظهر أي : من الذين استحق عليهم الإثم أي : جنى عليهم وهم أهل الميت وعشيرته فالأوليان مرفوع على أنه خبر لمحذوف كأنه قيل ومن هم فقيل الأوليان ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ﴾ عطف على يقومان ﴿لَشَهَـادَتُنَآ﴾ المراد بالشهادة اليمين كما في قوله تعالى :﴿فَشَهَـادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَـادَاتا بِاللَّهِ﴾ (النور : ٦) أي : ليميننا على أنهما كاذبان فيما ادعيا من الاستحقاق مع كونها حقة صادقة في نفسها ﴿أَحَقُّ﴾ بالقبول ﴿مِن شَهَـادَتِهِمَا﴾ أي : من يمينهما مع كونها كاذبة في نفسها لما أنه قد ظهر للناس استحقاقهما للإثم ويميننا منزهة عن الريب والريبة فصيغة التفضيل مع أنه لا حقيقة
٤٥٦
في يمينهما رأساً إنما هي لإمكان قبولها في الجملة باعتبار احتمال صدقهما في ادعاء تملكهما لما ظهر في أيديهما ﴿وَمَا اعْتَدَيْنَآ﴾ عطف على جواب القسم أي : ما تجاوزنا فيها شهادة الحق وما اعتدينا عليهما بإبطال حقهما ﴿إِنَّآ إِذًا﴾ أي : إذا اعتدينا في يميننا
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٤٤
﴿لَّمِنَ الظَّـالِمِينَ﴾ أنفسهما بتعريضها لسخط الله تعالى وعذابه بسبب هتك حرمة اسم الله تعالى أو لمن الواضعين الحق في غير موضعه ومعنى النظم الكريم أن المحتضر ينبغي أن يشهد على وصيته عدلين من ذوي نسبه أو دينه فإن لم يجدهما بأن كان في سفر فآخرين من غيرهم ثم إن وقع ارتياب بهما اقسما على أنهما ما كتما من الشهادة ولا من التركة شيئاً بالتغليظ في الوقت فإن اطلع بعد ذلك على كذبهما بأن ظهر بأيديهما شيء من التركة وادعيا تملكه من جهة الميت حلف الورثة وعمل بأيمانهم وإنما انتقل اليمين إلى الأولياء لأن الوصيين ادعيا انهما ابتاعاه والوصي إذا أخذ شيئاً من مال الميت وقال أنه أوصى به حلف الوارث إذا أنكر ذلك وتحليف المنكر ليس بمنسوخ ﴿ذَالِكَ﴾ أي : الحكم الذي تقدم تفصيله ﴿أَدْنَى أَن يَأْتُوا بِالشَّهَـادَةِ عَلَى وَجْهِهَآ﴾ أي : أقرب إلى أن تؤدي الشهود الشهادة على وجهها الذي تحملوها عليه من غير تحريف ولا خيانة خوفاً من العذاب الأخروي هذا كما ترى حكمة شرعية التحليف بالتغليظ المذكور ﴿أَوْ يَخَافُوا أَن تُرَدَّ أَيْمَـانُا بَعْدَ أَيْمَـانِهِمْ﴾ بيان لحكمة شرعية رد اليمين على الورثة معطوف على مقدر ينبىء عنه المقام كأنه قيل ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ويخافوا عذاب الآخرة بسبب اليمين الكاذبة أو يخافوا الافتضاح على رؤوس الأشهاد بإبطال إيمانهم والعمل بأيمان الورثة فينزجروا عن الخيانة المؤدية إليه فأي الخوفين وقع حصل المقصود الذي هو الإتيان بالشهادة على وجهها ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ في شهادتكم فلا تحرفوها وفي أيمانكم فلا تحلفوا أيماناً كاذبة وفي أماناتكم فلا تخونوها وفيما بينه الله من الأحكام فلا تخالفوا حكمه ﴿وَاسْمَعُوا﴾ ما توعظون به كائناً ما كان سمع طاعة وقبول ﴿وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَـاسِقِينَ﴾ الخارجين عن الطاعة أي : فإن لم تتقوا ولم تسمعوا كنتم فاسقين والله لا يهدي القوم الفاسقين أي : إلى طريق الجنة أو إلى ما فيه نفعهم.


الصفحة التالية
Icon