واعلم أن الشهادة في الشرع الأخبار عن أمر حضره الشهود وشاهدوه إما معاينة كالأفعال نحو القتل والزنى أو سماعاً كالعقود والإقرارات فلا يجوز له أن يشهد إلا بما حضره وعلمه وسمعه ولهذا لا يجوز له أداء الشهادة حتى تذكر الحادثة وفي الحديث :"إذا علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع" وفي الشهادة إحياء حقوق الناس وصون العقود عن التجاحد وحفظ الأموال على أربابها وفي الحديث :"أكرموا شهودكم فإن الله يستخرج بهم الحقوق" ومن تعين للتحمل لا يسعه أن يمتنع إذا طلب لما فيه من تضييع الحقوق إلا أن يقوم الحق بغيره بأن يكون في الصك سواه ممن يقوم الحق به فيجوز له الامتناع لأن الحق لا يضيع بامتناعه وهو مخير في الحدود بين الشهادة والستر لأن إقامة الحدود حسبة والستر على المسلم حسبة والستر أفضل وفي الحديث "من ستر على مسلم ستره الله عليه في الدنيا والآخرة".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٤٤
ثم اعلم أن اليمين الفاجرة تبقى الديار بلاقع فينبغي لطالب الآخرة أن يجتنب عن الكذب لطمع الدنيا وأن يختار الصدق في كل قول وفعل، قال الحافظ :
طريق صدق بياموز ازآب صافي دل
براستي طلب آزادكي و سرومن
٤٥٧
والأمانة من الأوصاف الجميلة والله تعالى يأمر بأداء الأمانات وإن قل أصحابه في هذا الزمان ولله در القائل :
أمين مجوي ومكوباً كسى أمانت عشق
درين زمانه مكر جبرئيل أمين باشد
وعاقبة الخيانة الافتضاح، كما قال الصائب :
خيانتهاي نهان ميكشد آخر برسوايى
كه دزد خانكي را شحنه دربازار ميكردد
فلا بد من التقوى وسماع الأحكام الأزلية والله لا يهدي إلى حضرته القوم الفاسقين يعني الذين كانوا خارجين عند رشاش النور وإصابته كما قال عليه السلام :"فمن أصابه ذلك النور فقد اهتدى ومن أخطأه فقد ضل" عصمنا الله وإياكم من مخالفة أمره ولا يجعلنا ممن ضاع أنفاس عمره إنه هو الموفق والمرشد والوهاب ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ﴾ أي : اذكروا يوم يجمع الله الرسل وهو يوم القيامة والمراد جمعهم وجمع أممهم وإنما لم يذكر الأمم لأنهم اتباع لهم ﴿فَيَقُولُ﴾ أي : الله تعالى للرسل ﴿مَاذَآ أُجِبْتُمْ﴾ أي : أي إجابة أجبتم من جهة الأمم حين دعوتموهم إلى توحيدي وطاعتي أإجابة إقرار وتصديق أم إجابة إنكار وتكذيب؟ فماذا في محل النصب على أنه مفعول مطلق للفعل المذكور بعده.
وفيه إشارة إلى خروجهم من عهدة الرسالة كما ينبغي وإلا لصدر الخطاب بأن يقال هل بلغتم رسالتي ولم يقل ماذا أجابوا بناء على كمال تحقير شأنهم وشدة الغيظ والسخط عليهم.
فإن قلت ما وجه السؤال مع أنه تعالى لا يخفى عليه شيء.
قلت توبيخ القوم كما أن قوله تعالى :﴿وَإِذَا الْمَوْءُادَةُ سُئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنابٍ قُتِلَتْ﴾ (التكوير : ٨ ـ ٩) المقصود منه توبيخ من فعل ذلك الفعل بها ﴿قَالُوا﴾ كأنه قيل فماذا يقول الرسل هنالك فقيل يقولون ﴿لا عِلْمَ لَنَآ﴾ بما كنت أنت تعلم ﴿إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـامُ الْغُيُوبِ﴾ تعليل لذلك أي : لأنك تعلم ما أضمروه وما أظهروه ونحن لا نعلم إلا ما أظهروه فعلمنا في علمك كالمعدوم وهذا الجواب يتضمن التشكي من الأمم كأنه قيل علمك محيط بجميع المعلومات فتعلم بما ابتلينا من قبلهم وكابدنا من سوء إجابتهم فلنلتجىء إليك في الانتقام منهم وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذا الجواب إنما يكون في بعض مواطن القيامة وذلك عند زفرة جهنم وجثّوا الأمم على الركب لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا قال نفسي نفسي فعند ذلك تطير القلوب من أماكنها فيقول الرسل من شدة هول المسألة وهول الموطن ﴿لا عِلْمَ لَنَآا إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـامُ الْغُيُوبِ﴾ وترجع إليهم عقولهم فيشهدون على قومهم أنهم بلغوهم الرسالة وأن قومهم كيف ردوا عليهم فإن قيل كيف يصح ذهول العقل مع قوله تعالى :﴿لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الاكْبَرُ﴾ (الأنبياء : ١٠٣) قيل : إن الفزع الأكبر دخول جهنم، قال السعدي قدس سره :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٤٤
دران روزكز فعل رسند وقول
أولو العزم را تن بلرزد زهول
بجايى كه دهشت خورد أنبياء
توعذر كنه را ه داري بيا
برادر زكار بدان شرم دار
كه درروى نيكان شوي شر مسار
سراز جيب غفلت بر آور كنون
كه فرداً نماند بخجلت نكون
وقيل قولهم ﴿لا عِلْمَ لَنَآ﴾ ليس المقصود منه نفي العلم بجوابهم حال التبليغ ولا وقت حياة الأنبياء بل المقصود نفي علمهم بماكان من الأمم بعد وفاة الأنبياء في العاقبة وآخر الأمر الذي به
٤٥٨


الصفحة التالية
Icon