ـ روي ـ أنها نزلت يوم الأحد ولذلك اتخذه النصارى عيداً ﴿وَءَايَةً﴾ كائنة ﴿مِّنكَ﴾ دالة على كمال قدرتك وصحة نبوتي ﴿وَارْزُقْنَا﴾ أي : المائدة والشكر عليها ﴿وَأَنتَ خَيْرُ الراَّزِقِينَ﴾ تذييل جار مجرى التعليل أي : خير من يرزق لأنه خالق الأرزاق ومعطيها بلا عوض ﴿قَالَ اللَّهُ إِنِّى مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ﴾ إجابة إلى سؤالكم ﴿فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ﴾ أي : بعد تنزيلها ﴿مِّنكُمْ﴾ حال من فاعل يكفر ﴿فَإِنِّى أُعَذِّبُهُ﴾ بسبب كفره بعد معاينة هذه الآية الباهرة ﴿عَذَابًا﴾ اسم مصدر بمعنى التعذيب أي : تعذيباً ﴿لا أُعَذِّبُهُ﴾ صفة لعذاباً والضمير له أي : أعذبه تعذيباً لا أعذب ذلك التعذيب أي : مثل ذلك التعقيب ﴿أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾ أي : من عالمي زمانهم أو من العالمين جميعاً فإنهم مسخوا قردة وخنازير ولم يعذب مثل ذلك غيرهم.
ـ روي ـ أن عيسى عليه السلام اغتسل ولبس المسح وصلى ركعتين فطأطأ رأسه وغض بصره ثم دعا فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين وهم ينظرون حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى عليه الصلاة والسلام وقال : اللهم اجعلني من الشاكرين اجعلها رحمة للعالمين ولا تجعلها مثلة وعقوبة ثم قام وتوضأ وصلى وبكى ثم كشف المنديل الذي عليها وقال : بسم الله خير الرازقين فإذا سمكة مشوية بلا فلوس ولا شوكة يسيل دسمها وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل وحولها من أنواع البقول ما خلا الكراث وإذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون وعلى الثاني عسل وعلى الثالث سمن وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد فقال شمعون رأس الحواريين يا روح الله أمن طعام الدنيا أم من طعام الآخرة؟ قال : ليس منهما ولكنه اخترعه الله بقدرته كلوا ما سألتم واشكروا يمددكم الله ويزدكم من فضله فقالوا : يا روح الله لو أريتنا من هذه الآية آية أخرى فقال : يا سمكة أحيى بإذن الله فاضطربت ثم قال لها : عودي كما كنت فعادت مشوية فلبث المائدة يوماً واحداً فأكل من أكل منها ثم طارت ولم تنزل بعد ذلك اليوم وقيل : كانت تأتيهم أربعين يوماً غباً أي : تنزل يوماً ولا تنزل يوماً يجتمع عليها الفقراء والأغنياء والصغار والكبار يأكلون حتى إذا فاء الفيىء طارت وهم ينظرون في ظلها ولم يأكل منها فقير إلا غني مدة عمره ولا مريض إلا برىء ولم يمرض أبداً ثم أوحى الله إلى عيسى أن اجعل مائدتي في الفقراء والمرضى دون الأغنياء الأصحاء فاضطرب الناس بذلك أي : تعاظم على الأغنياء والأصحاء حتى شكوا وشككوا الناس في شأن المائدة ونزولها من السماء حقيقة فمسخ منهم من مسخ فأصبحوا خنازير يسعون في الطرقات والكناسات ويأكلون العذرة في الحشوش فلما رأى الناس ذلك فزعوا إلى عيسى وبكوا على الممسوخين فلما أبصرت الخنازير عيسى بكت وجعلت تطوف به وجعل يدعوهم بأسمائهم واحداً بعد واحد فيبكون ويشيرون برؤوسهم فلا يقدرون على الكلام فعاشوا ثلاثة أيام ثم هلكوا ولم يتوالدوا
٤٦٣
وكذلك كل ممسوخ.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٤٤
والإشارة أن الله تعالى سلخ صورة الإنسانية عن حقائق صفات الحيوانية وألبسوا الصور من حقائق صفاتهم فمسخوا خنازير ليعتبر الخلق ويتحقق لهم أن الناس يحشرون على صور صفاتهم يوم تبلى السرائر يوم تبيض وجوه وتسود وجوه كما قال عليه السلام :"يموت الناس على ما عاشوا فيه ويحشرون على ما ماتوا عليه" يعني يحشرون على صورة صفاتهم التي ماتوا عليها، وفي "المثنوي" :
هر خيالي كوكند در دل وطن
روز محشر صورتي خواهد شدنزانكه حشر حاسدان روز كزند
بي كمان بر صورت كركان كنندحشر ر حرص وخس ومرادار خوار
صورت خوكي بود روز شمار
زانيانرا كنده اندام نهان
خمر خوارانرا همه كنده دهان
سيرتي كاندر وجودت غالبست
هم بران تصوير حشرت واجبست