قال القاضي في تفسيره : وعن بعض الصوفية المائدة عبارة عن حقائق المعارف فإنها غذاء الروح كما أن الأطعمة غذاء البدن وعلى هذا فلعل الحال أنهم رغبوا في حقائق لم يستعدوا للوقوف عليها وقال لهم عيسى : إن حصلتم الإيمان فاستعملوا التقوى حتى تتمكنوا من الاطلاع عليها فلم يقلعوا عن السؤال والجواب فيها فسأل لأجل اقتراحهم فيبين الله تعالى أن إنزاله سهل ولكن فيه خطر وخوف عاقبة فإن السالك إذا انكشف له ما هو أعلى من مقامه لعله لا يتحمله ولا يستقر له فيضل به ضلالاً بعيداً انتهى كلام القاضي.
قال حضرة الشيخ الشهير فأفتاده أفندي قدس سره : إن قوم عيسى عليه السلام عصوا مرة فرفعت المائدة وأنا نعصي في كل وقت مع أن نعم الله تعالى مترادفة وذلك لأن المائدة التي نزلت عليهم من مرتبة الصفة والنعم الفائضة علينا مرتبة الذات وما هو من الذات لا يتغير ولا يتبدل وإنما التغير في الصفة وقد بقي هنا شيء وهو أن الأعياد أربعة لأربعة أقوام : أحدها عيد قوم إبراهيم كسر الأصنام حين خرج قومه إلى عيد لهم، والعيد الثاني عيد قوم موسى وإليه الإشارة بقوله تعالى في سورة طه ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ (طه : ٥٩)، والعيد الثالث عيد قوم عيسى وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآااِدَةً﴾ الآية، والعيد الرابع عيد أمة محمد عليه السلام وهو ثلاثة : عيد يتكرر كل أسبوع وعيدان يأتيان في كل عام مرة من غير تكرر في السنة فأما العيد المتكرر فهو يوم الجمعة وهو عيد الأسبوع وهو مرتب على إكمال الصلوات المكتوبات لأن الله فرض على المؤمنين في اليوم والليلة خمس صلوات وأن الدنيا تدور على سبعة أيام فكلما كمل دور أسبوع من أيام الدنيا واستكمل المسلمون صلواتهم شرع لهم في يوم استكمالهم يوم الجمعة وهو اليوم الذي كمل فيه الخلق وفيه خلق آدم وأدخل الجنة وأخرج منها وفيه ينتهي أمر الدنيا فتزول وتقوم الساعة فيه وفيه الاجتماع على سماع الذكر والموعظة وصلاة الجمعة وجعل ذلك لهم عيداً ولذلك نهى عن إفراده بالصوم وفي شهود الجمعة شبه من الحج ويروى أنها حج المساكين.
وقال سعيد بن المسيب شهود الجمعة أحب إلي من حجة نافلة والتكبير فيها يقوم مقام الهدي على قدر السبق والشهود الجمعة يوجب تكفير الذنوب إلى الجمعة الأخرى إذا سلم ما بين الجمعتين
٤٦٤
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٤٤
من الكبائر كما أن الحج المبرور يكفر ذنوب تلك السنة إلى الحجة الأخرى، وقد روي إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام.
وأما العيدان اللذان يتكرران في كل عام إنما يأتي كل واحد منهما مرة واحدة فأحدهما عيد الفطر من صوم رمضان وهو مرتب على إكمال الصيام وهو الركن الثالث من أركان الإسلام ومبانيه فإذا استكمل المسلمون صيام شهرهم المفروض عليهم استوجبوا من الله المغفرة والعتق من النار فإن صيامه يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب وآخره عتق من النار والعيد الثاني عيد النحر وهو أكبر العيدين وأفضلهما وهو مرتب على إكمال الحج وهو الركن الرابع من أركان الإسلام ومبانيه فإذا أكمل المسلمون حجتهم غفر لهم وإنما يكمل الحج يوم عرفة والوقوف بعرفة ركن الحج الأعظم.
ـ وروى ـ أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلّم قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال : قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما الفطر والأضحى"، واجتمعت الأمة على هذا من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى يومنا هذا بلا نكير منكر فهذه أعياد الدنيا تذكر أعياد الآخرة وقد قيل كل يوم كان للمسلمين عيداً في الدنيا فهو عيد لهم في الجنة يجتمعون فيه على زيارة ربهم ويتجلى لهم فيه فيوم الجمعة في الجنة.
يدعي يوم المزيد ويوم الفطر والأضحى يجتمع أهل الجمعة فيهما للزيارة هذا لعوام أهل الجنة وأما خواصهم فكل يوم لهم عيد يزورون ربهم كل يوم مرتين بكرة وعشيا والخواص كانت أيام الدنيا كلها لهم أعياداً فصارت أيامهم في الآخرة كلها أعياداً.
وأما أخص الخواص فكل نفس عيد لهم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٤٤


الصفحة التالية
Icon