إهلاكها أو كثيراً منها على أن يكون كم في موضع نصب بأهلكناها، كما في قوله تعالى :﴿إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَـاهُ بِقَدَرٍ﴾ (القمر : ٤٩) ﴿فَجَآءَهَا﴾ أي : فجاء أهلها.
﴿بَأْسَنَآ﴾ أي : عذابنا ﴿بَيَـاتًا﴾ مصدر بمعنى الفاعل واقع موقع الحال أي : بائتين كقوم لوط.
قال الحدادي : سمي الليل بياتاً ؛ لأنه يبات فيه والبيتوتة خلاف الظلول، وهو أن يدرك الليل نمت أو لم تنم وهي بالفارسية (شب كذاشتن).
﴿أَوْ هُمْ قَآاـاِلُونَ﴾ عطف على بياتاً، أي : قائلين من القيلولة نصف النهار، كقوم شعيب أهلكهم الله في نصف النهار، وفي حرّ شديد وهم قائلون.
قال في "التفسير الفارسي" :(تخصيص اين دووقت بجهت آنست كه زمان آسايش واستراحتند وتصور وتوقع عذاب دران نيست س بليه غير منتظر صعبتر وسخت تراست نانه نعمت غير مترقب خوبتر ولذيذ ترست).
﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاـاهُمْ﴾ أي : دعاؤهم وتضرعهم ﴿إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَآ﴾ عذابنا وعاينوا أماراته.
﴿إِلا أَن قَالُوا﴾ جميعاً.
﴿إِنَّا كُنَّا ظَـالِمِينَ﴾ أي : إلا اعترافهم بظلمهم فيما كانوا عليه وشهادتهم ببطلانه تحسراً عليه وندامة وطمعاً في الخلاص، وهيهات لأنه لا تنفع التوبة وقت نزول العذاب ؛ إذ هو وارتفاع التكليف مقارنان وقوم يونس مستثنى من هذا، كما يجيء، وفي "المثنوي" :
همو آن مرد مفلسف روز مرك
عقل را مى ديد بس بى بال وبرك
بى غرض مى كرد آندم اعتراف
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٤
كزدكاوت رانده ايم اسب ازكزاف
از غروري سر كشيديم از رجال
آشنا كرديم در بحر خيال
آشنا هيجست اندر بحر روح
نيست انجا اره جز كشتى نوح
اينين فرموده آن شاه رسل
كه منم كشتى درين درياى كل
باكى كودر بصيرتهاى من
شد خليفه راستين برجاى من
كشتى نوحيم در درياكه تا
رو نكردانى زكشتى اي فتى
﴿فَلَنَسْـاَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ﴾ الفاء لترتيب الأحوال الأخروية على الدنيوية، أي : لنسألن الأمم قاطبة يوم الحشر قائلين ماذا أجبتم المرسلين.
﴿وَلَنَسْـاَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ عما أجيبوه أو المراد بالسؤال توبيخ الكفرة وتقريعهم، والذي نفى بقوله تعالى :﴿وَلا يُسْـاَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ (القصص : ٧٨) سؤال الاستعلام، أو الأول في موقف الحساب، والثاني في موقف العقاب.
وفي "التفسير الكبير" : إنهم لا يسألون عن الأعمال ولكن يسألون عن الدواعي التي دعتهم إلى الأعمال وعن الصوارف التي صرفتهم عنها.
﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم﴾ أي : على الرسل حين يقولون لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب.
﴿بِعِلْمِ﴾ أي : عالمين بظواهرهم وبواطنهم.
﴿وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ﴾ عنهم في حال من الأحوال فيخفى علينا شيء من أعمالهم وأحوالهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٤
واعلم : أن الرسل يقولون يوم الحشر : اللهم سلم سلم، ويخافون أشد الخوف على أممهم، ويخافون على أنفسهم، والمطهرون المحفوظون الذين ما تدنست بواطنهم بالشبه المضلة ولا ظواهرهم أيضاً بالمخالفات الشرعية آمنون، يغبطهم النبيون في الذي هم عليه من الأمن لما هم أي النبيون عليه من الخوف على أممهم فمن لقي الله تعالى في ذلك اليوم شاهداً له بالإخلاص مقراً بنبيه صلى الله عليه وسلّم بريئاً من الشرك، ومن السحر، بريئاً من إهراق دماء المسلمين ناصحاًتعالى ولرسوله محباً لمن أطاع الله ورسوله مبغضاً لمن عصى الله
١٣٥


الصفحة التالية
Icon