ورسوله، استظل تحت ظل عرش الرحمن ونجا من الغم، ومن حاد عن ذلك ووقع في شيء من هذه الذنوب بكلمة واحدة أو تغير قلبه أو شك في شيء من دينه بقي ألف سنة في الحر والهم والعذاب، حتى يقضي الله فيه بما يشاء ـ ـ روي ـ ـ أن ملكاً من ملوك كندة كان طويل المصاحبة للهو واللذات كثير العكوف على اللعب فركب يوماً للاصطياد أو غيره، فانقطع عن أصحابه فإذا هو برجل جالس قد جمع عظاماً من عظام الموتى، وهي بين يديه يقلبها، فقال : ما قصتك أيها الرجل وما الذي بلغ بك ما أرى من سوء الحال ويبس الجلد وتغير اللون والانفراد في هذه الفلاة؟ فقال : أما ما ذكرت من ذلك فلأني على جناح سفر بعيد، وبي موكلان مزعجان يحدوان بي إلى منزل كبيت النمل مظلم القعر كريه المقر يسلماني إلى مصاحبة البلى ومجاورة الهلكى تحت أطباق الثرى، فلو تركت بذلك المنزل مع ضيقه ووحشته وارتعاء حشاش الأرض من لحمي حتى أعود رفاتاً وتصير أعظمي رماماً، لكان للبلى انقضاء وللشقاء نهاية، ولكني أدفع بعد ذلك إلى صيحة الحشر وارداً طول مواقف الجرائم، ثم لا أدري إلى أي الدارين يؤمر بي فأي حال يلتذ به من يكون هذا الأمر مصيره، فلما سمع الملك كلامه ألقى نفسه عن فرسه وجلس بين يديه، وقال : أيها الرجل لقد كدّر مقالك عليّ صفو عيشي وملك قلبي فأعد عليّ بعض قولك، فقال : له أما ترى هذه التي بين يدي؟ قال : بلى، قال هذه عظام ملوك غرّتهم الدنيا بزخرفتها واستحوذت على قلوبهم بغرورها، فألهتهم عن التأهب لهذه المصارع حتى فاجأتهم الآجال وخذلتهم الآمال وسلبتهم بهاء النعمة وستنشر هذه العظام فتعود أجساماً، ثم تجازى بأعمالها، فإما إلى دار النعيم والقرار، وإما إلى دار العذاب والبوار، ثم غاب الرجل فلم يدر أين ذهب وتلاحق أصحاب الملك به، وقد تغير لونه وتواصلت عبراته فلما جنّ عليه الليل نزع ما عليه من لباس الملك ولبس طمرين وخرج تحت الليل فكان آخر العهد به وأنشدوا :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٤
أفنى القرون التي كانت منعمة
كر اللييلات إقبالاً وإدباراً
يا راقد الليل مسروراً بأوله
إن الحوادث قد يطرقن أسحاراً
لا تأمنن بليل طاب أوله
فرب آخر ليل أجج النارا قال الإمام زين العابدين : عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ويكون غداً جيفة، وعجبت كل العجب لمن شك في الله وهو يرى خلقه، وعجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الآخرة، وهو يرى النشأة الأولى، وعجبت كل العجب لمن عمل لدار الفناء، وترك دار البقاء.
فعلى العاقل أن يعتبر بمن مضى قبل أن يجيء على رأسه القضاء ويجتهد في طريق الحق ذاكراً له في الغدو والرواح ويتهيأ للموت قبل نزوله، والوقت يمضي كالرياح فأين الذين وقعوا في إنكار الرسل وتكذيب الأنبياء؟ مضوا والله إلى دار الجزاء، وسينقضي الزمان كله فلا يبقى أحد على بساط العالم من ملك وجن وبنى آدم، وتطوى صحائف الأعمال وتنشر يوم السؤال ويظهر كل جليل ودقيق فيا شقاوة أهل الخذلان، ويا سعادة أهل التوفيق اللهم إنا نسألك مراقبة الأوقات ومحافظة الطاعات والتمشي على الصراط السوي في الملك الصوري، والمعنوي فأعن الضعفاء يا قوى آمين يا معين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٤
﴿وَالْوَزْنُ﴾ أي : وزن الأعمال والتمييز بين
١٣٦
راجحها وخفيفها وجيدها ورديها والمعنى بالفارسية.
"سنجيدن أعمال هريك".
﴿يَوْمَئِذٍ﴾ أي : يوم القيامة ﴿الْحَقِّ﴾ بالفارسية (راستست وبودنى) ﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ أي : حسناته التي توزن فهو جمع موزون ويجوز أن يكون جمع ميزان باعتبار اختلاف الموزونات وتعدد الوزن.
وقال في "التأويلات النجمية" : وإنما قال موازينه بالجمع لأن كل عبد ينصب له موازين بالقسط تناسب حالاته، فلبدنه ميزان يوزن به أوصافه، ولورحه ميزان يوزن به نعوته، ولسره ميزان يوزن به أحواله ولخفيه ميزان يوزن به أخلاقه، والخفي لطيفة روحانية قابلة لفيض الأخلاق الربانية ولهذا قال عليه السلام :"ما وضع في الميزان أثقل من حسن الخلق" وذلك لأنه ليس من نعوت المخلوقين، بل هو من أخلاق رب العالمين والعباد مأمورون بالتخلق بأخلاقه.
فأولئك الجمع باعتبار معنى من ﴿هُمْ﴾ ضمير فصل يفيد اختصاص المسند بالمسند إليه.
﴿الْمُفْلِحُونَ﴾ الفائزون بالنجاة والثواب.
﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ﴾ بالفارسية (عملهاى وزن كرده او وآن سبكى بمعصيت خواهد بود ﴿فأولئك الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم﴾ بتضييع الفطرة السليمة التي فطرت عليها واقتراف ما عرضها للعذاب.
قال الحدادي : الخسران إذهاب رأس المال ورأس مال الإنسان نفسه، فإذا هلك بسوء عمله فقد خسر نفسه ﴿بِمَا كَانُوا بآياتنا يَظْلِمُونَ﴾ يعني : وضعوا التكذيب بها موضع التصديق.
قوله :﴿بِمَآ﴾ متلعق بخسروا وما مصدرية وبآياتنا متعلق بيظلمون على تضمين معنى التكذيب.