قال في "التأويلات النجمية" : الوزن عند الله يوم القيامة لأهل الحق وأرباب الصدق وأعمال البر فلا وزن للباطل وأهله ويدل عليه قوله تعالى :﴿فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ وَزْنًا﴾ ـ ـ وروي ـ ـ أنه "يؤتى يوم القيامة بالرجل العظيم الطويل الأكول الشروب فيوزن فلا يزن جناح بعوضة" انتهى وهذه الرواية تدل على أن الموزون هو الأشخاص، كما ذهب إليه بعض العلماء، ولكن الجمهور على أن صحائف الأعمال هي التي توزن بميزان له لسان وكفتان ينظر إليه الخلائق إظهاراً للمعدلة وقطعاً للمعذرة، كما يسألهم عن أعمالهم فتعترف بها ألسنتهم وجوارحهم وتشهد عليهم الأنبياء والملائكة والأشهاد وكما تثبت في صحائفهم فيقرؤوها في موقف الحساب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٦
ويؤيده ما روي "أن الرجل يؤتى به إلى الميزان فينشر له تسعة وتسعون سجلاً مدى البصر، فتخرج له بطاقة فيها كلمتا الشهادة، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فيطيش السجلات وتثقل البطاقة" والبطاقة رقعة صغيرة وهي ما يجعل في طي الثوب يكتب فيها ثمنه ـ ـ روي ـ ـ أن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان الذي ينصب يوم القيامة فرأى كل كفة ملء ما بين المشرق والمغرب فغشى عليه فلما أفاق قال إلهي من يقدر أن يملأ كفته بالحسنات فقال الله تعالى يا داود إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة من صدقة.
وقال في "التفسير الفارسي" :(درتبيان از ابن عباس نقل ميكندكه درازى عمود ميزان نجاه هزار ساله راهست وكفين اويكى از نورست ويكى ازظلمت حسنات درله نورنهند وسيآت درله ظلمت).
ـ ـ ويحكى ـ ـ عن بعضهم أنه قال : رأيت بعضهم في المنام، فقلت ما فعل الله بك؟ فقال : وزنت حسناتي فرجحت السيئات على الحسنات، فجاءت صرة من السماء وسقطت في كفة الحسنات فرجحت فحللت
١٣٧
الصرة، فإذا فيها كف تراب ألقيته في قبر مسلم، ويجاء بعمل الرجل فيوضع في كفة ميزانه فيخف فيجاء بشيء أمثال الغمام فيوضع في كفة ميزانه فترجح، فيقال : له أتدري ما هذا؟ فيقول : لا فيقال له هذا فضل العلم الذي كنت تعلمه الناس وتستوي كفتا الميزان لرجل، فيقول الله تعالى : لستَ من أهل الجنة ولا من أهل النار، فيأتي الملك بصحيفة فيضعها في كفة الميزان فيها مكتوب أف، فيترجح على الحسنات لأنها كلمة عقوق ترجح بها جبال الدنيا، فيؤمر به إلى النار فيطلب الرجل أن يرد إلى الله تعالى، فيقول : ردوه، فيقول : أيها العبد العاق لأي شيء تطلب الرد إليَّ؟ فيقول : إلهي رأيت أني سائر إلى النار، وأن لا بدّ لي منها، وكنت عاقاً لأبي وهو سائر إلى النار مثلي فضَعّفْ عليّ به عذابي وأنقذه منها، فيضحك الله تعالى، ويقول عققته في الدنيا وبررته الآخرة خذ بيد أبيك وانطلق إلى الجنة.
قال الحافظ :
طمع زفيض كرامت مركه خلق كريم
كنه ببنخشد وبر عاشقان ببخشايد
واعلم : أن السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بلا حساب لا يرفع لهم ميزان، وكذا يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان فيصبّ لهم الأجر صبّاً حتى أن أهل العافية ليتمنون في الموقف أن أجسامهم قد قرضت بالمقاريض من حسن ثواب الله فهم يكونون تحت شجرة في الجنة تسمى شجرة البلوى.
قال الله تعالى :﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّـابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (الزمر : ١٠) قال أرباب التحقيق : التوحيد الرسمي يدخل في الميزان ؛ لأنه يوجد له ضد كما أشير إليه بحديث صاحب السجلات، وأما التوحيد الحقيقي : فلا يدخل في الميزان لأنه لا يعادله شيء ؛ إذ لا يجتمع إيمان وكفر بخلاف إيمان وسيئات ولهذا كانت لا إله إلا الله أفضل الأذكار، فالذكر بها أفضل من الذكر بكلمة الله الله وهو هو عند العلماء بالله لأنها جامعة بين النفي والإثبات وحاوية على زيادة العلم والمعرفة فمن نفى بلا إله عين الخلق حكماً لا علما، فقد أثبت كون الحق حكماً وعلماً والإله من له جميع الأسماء وما هو إلا عين واحدة هي مسمى الله الذي بيده ميزان الرفع والخفض.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٦
قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره : لا تُدخل الموازين إلا أعمال الجوارح، وهي : سبع السمع، والبصر، واللسان، واليد، والبطن، والفرج، والرجل.
وأما الأعمال المعنوية : فلا تدخل الميزان المحسوس لكن يقام فيها العدل، وهو الميزان المعنوي فحس لحس، ومعنى لمعنى يقابل كل شيء بشاكلته.
قال العلماء : إذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال ؛ لأن الوزن للجزاء ينبغي أن يكون بعد المحاسبة فإن المحاسبة لتقرير الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها كذا في "تفسير الفاتحة" للمولى الفناري.
فعلى العاقل أن يسارع إلى الطاعات ويبادر إلى الحسنات خصوصاً إلى أحسن الحسنات وهو كلمتا الشهادة ليكون ممن ثقلت موازينه ويدخل في زمرة المفلحين.


الصفحة التالية
Icon