إلى وقت النفخة الأولى لا إلى وقت البعث الذي هو المسؤول كما بيّن مدة المهلة في قوله تعالى :﴿فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ (ص : ٨٠، ٨١) وهو يوم النفخة الأولى يموت الخلق فيه ويموت إبليس معهم وبين النفخة الأولى والثانية أربعون سنة فاستجيب بعض دعائه لا كله.
والفتوى على أن دعاء الكافر يستجاب استدراجاً ودلّ ظاهر قوله :﴿إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ﴾ على أن ثمة مُنظرين غير إبليس، وعن ابن عباس قال :"إن الدهر يمر بإبليس فيهرم ثم يعود ابن ثلاثين".
غافلان از مرك مهلت خواستند
عاشقان كفتند نى نى زود باد
وإنما أنظره ابتلاء للعباد وتمييزاً بين المخلصومتبع الهوى، وتعريضاً للثواب بمحالفته، وقيل : أنظره مكافأة له بعبادته التي مضت في السماء وعلى وجه الأرض ؛ ليعلم أنه لا يضيع أجر العاملين وقيل أمهله وأبقاه إلى آخر الدهر استدراجاً له من حيث لا يعلم ليتحمل من الأوزار ما لا يتحمل غيره من الأشرار والكفار، فأنظره إلى يوم القرار ليحصل الاعتبار به لذوي الأبصار بأن أطول الأعمار في هذه الدار لرئيس الكفار وقائد زمرة الفجار.
واختلف العلماء هل كلم الله تعالى إبليس بغير واسطة أو لا؟ والصحيح أنّه كلّمه بواسطة ملك لأن كلام الباري لمن كلمه رحمة ورضى وتكرم وإجلال ألا ترى أن موسى عليه السلام فضل بذلك على الأنبياء ما عدا الخليل ومحمداً صلى الله عليه وسلّم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤١
فإن قيل : أليس رسالته أيضاً تشريفاً وقد كانت لإبليس على غير وجه التشريف، كذلك كلامه يكون تشريفاً لغير إبليس ولا يكون تشريفاً لإبليس.
قيل : مجرد الإرسال ليس بتشريف وإنما يكون لإقامة الحجة بدلالة أن موسى عليه السلام أرسله الله إلى فرعون وهامان ولم يقصد إكرامهما وإعظامهما لعلمه بأنهما عدوان، وكان كلامه إياه تشريفاً له، وقوله تعالى :﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ﴾ (القصص : ٦٢) أي : على لسان بعض ملائكته.
﴿قَالَ﴾ إبليس ﴿فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِى﴾ الباء متعلقة بفعل القسم المحذوف.
والإغواء الإضلال عن المنهج القويم، والهمزة فيه للصيرورة، أي : بسبب أن صيرتني غاوياً ضالاً عن الهدى محروماً من الرحمة لأجلهم أقسم بعزتك.
﴿لاقْعُدَنَّ لَهُمْ﴾ أي : لآدم وذريته ترصداً بهم كما يقعد القطاع للقطع على السابلة.
﴿صِرَاطَكَ﴾ أي : على صراطك ﴿الْمُسْتَقِيمَ﴾ الموصل إلى الجنة وهو دين الإسلام فالقعود كناية عن الاجتهاد في إغواء بني آدم، فإن من هلك بسبب الاجتهاد في تكميل أمر من الأمور يقعد حتى يصير فارغ البال عما يشغله عن إتمام مقصوده ويتوجه إليه بكليته
﴿ثُمَّ لاتِيَنَّهُم﴾ (س بيايم بديشان).
﴿مِنا بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ أي : من قبل الآخرة فأشككهم فيها، وأيضاً من قبل الحسد فأزين لهم الحسد على الأكابر من العلماء والمشايخ في زمانهم ليطعنوا في أحوالهم وأعمالهم وأقوالهم.
﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ من جهة الدنيا أرغبهم فيها، وأيضاً من قبل العصبية ليطعنوا في المتقدمين من الصحابة والتابعين والمشايخ الماضين ويقدحوا فيهم ويبغضوهم ﴿وَعَنْ أَيْمَـانِهِمْ﴾ من جهة الحسنات وأوقعهم في العجب والرياء.
وأيضاً من قبل الانبساط فأحرض المريدين على سوء الأدب في صحبة المشايخ وترك الحشمة والتعظيم والتوسع في الكلام والمزاح لأنزلهم عن رتبة القبول.
﴿وَعَن شَمَآاـاِلِهِمْ﴾ من جهة السيئات فأزينها لهم، وأيضاً من قبل المخالفة فآمرهم بترك أوامر المشايخ ونواهيهم لأوردهم به موارد الرد وأهلكهم بسطوات غيرة الولاية، وردها بعد القبول والمقصود من الجهات
١٤٢
الأربع التي يعتاد هجوم العدو منها، مثل قصده إياهم للتسويل والإضلال من أي وجه يتيسر بإتيان العدو من الجهات الأربع ولذلك لم يذكر الفوق والتحت، وإنما عدى الفعل إلى الأولين بحرف الابتداء لأنه منهما متوجه إليهم وإلى الآخرين بحرف المجاوزة، فإن الآتي منهما كالمنحرف المتجافي عنهم المار على عرضهم وجانبهم، كما تقول : جلست عن يمينه، إذا جلست متجافياً عن جانب يمينه غير ملاصق له فكأنك انحرفت عنه وتجاوزت.
﴿وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـاكِرِينَ﴾ أي : مطيعين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤١
وفي "التفسير الفارسي" :(يعني كافران باشندكه منعم را نشناسد)، وإنما قال : ظناً لا علماً لقوله تعالى :﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾ (سبأ : ٣٠) لما رأى فيهم مبدأ الشر متعدداً وهو الشهوة والغضب ومبدأ الخير واحداً وهو العقل.
قال السعدي قدس سره :
نه ابليس در حق ما طعنه زد
كزينان نيايد بجز كاربد
فغان ازبديها كه در نفس ماست
كه ترسم شود ظن إبليس راست
وملعون سند آمدش قهرما
خدايش بر انداخت ازبهرما
كجاسر برآريم ازين عاروننك
كه با او بصلحيم وباحق بجنك


الصفحة التالية
Icon