﴿قَالَ﴾ الله تعالى لإبليس ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا﴾ أي : من الجنة حال كونك.
أي : مذموماً من ذأمه إذا ذمه، فالذام من المهموز العين والذم من المضاعف كلاهما بمعنى واحد وهو التعييب البليغ.
﴿مَّدْحُورًا﴾ أي : مطروداً، فاللعين مطرود من الجنة ومن كل خير لعجبه ونظره إلى نفسه، ففيه عبرة لكل مخلوق بعده.
﴿لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ اللام لتوطئة القسم، ومن شرطية ومعناه بالفارسية (بخداى كه هركه دربى توبيا يد از اولاد آدم) ﴿لامْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ جواب القسم وهو ساد مسد جواب الشرط، ومعنى منكم، أي : منك ومن ذريتك ومن كفار ذرية آدم وفي الحديث :"تحاجت النار والجنة، فقالت هذه يدخلني الجبارون المتكبرون، وقالت هذه يدخلني الضعفاء والمساكين، فقال الله تعالى : لهذه أنت عذابي أعذّب بك من أشاء، وقال لهذه : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها"، والتابعون للشيطان هم الذين يأتيهم من الجهات الأربع المذكورة فيقبلون منه ما أمره فليحذر العاقل عن متابعته وليجتهد في طاعة الله وعبادته حتى لا يدخل النار مع الداخلين، وفي الحديث :"إذا كان يوم القيامة رفع إلى كل مؤمن رجل من أهل الملل فقيل هذا فداؤك من النار" وفي هذا الحديث دليل على كمال لطف الله بعباده وكرامتهم عليه حيث فدى أوليائه بأعدائه، ويحتمل أن يكون معنى الفداء أن الله تعالى وعد النار ليملأها من الجِنّة والناس فهي تستنتجز الله موعده في المشركين وعصاة المؤمنين، فيرضيها الله تعالى بما يقدم إليها من الكفار فيكون ذلك كالمفاداة عن المؤمنين.
وقال بعضهم : معناه أن المؤمنين يتوقّون بالكفار من نفح النار إذا مروا على الصراط فيكونون وقاية وفداء لأهل الإسلام.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤١
قال بعضهم : رأيت أبا بكر بن الحسين المقري في المنام في الليلة التي دفن فيها، فقلت له أيها الأستاذ ما فعل الله بك قال : إن الله تعالى أقام أبا الحسن العامري صاحب الفلسفة فدائي، وقال هذا فداؤك من النار، وقد كان أبو الحسن توفي في الليلة التي توفي فيها أبو بكر المقري وفي الحديث :"يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين
١٤٣
بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى"، ولا يستبعد من فضل الله مع أهل الإسلام والإيمان أن يفديهم بأهل الكفر والطغيان وذلك عدل من الله مع أهل المعصية، وفضل على أهل طاعته خلافاً للمعتزلة فإنهم أنكروا هذه واستدلوا بقوله تعالى :﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ (الأنعام : ١٦٤) والذي صاروا إليه خلاف الكتاب والسنة.
قال الله تعالى :﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ (العنكبوت : ١٣) فلا يصح استدلالهم بالآية لأن كل كافر معاقب بوزره والله أعلم بحقيقة الحال وإليه المآل.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤١
﴿وَيَـاـاَادَمُ﴾ أي : وقلنا لآدم بعد إخراج إبليس من الجنة يا آدم.
﴿اسْكُنْ أَنتَ﴾ أي : لازم الإقامة على طريق الإباحة والتكريم ﴿وَزَوْجُكَ﴾ حواء والزوج في كلام العرب هو العدد الفرد المزاوج لصاحبه فأما الاثنان المصطحبان، فيقال لهما زوجان.
﴿الْجَنَّةِ﴾ أي : فيها وهي إما جنة الخلد التي جعلت دار الجزاء وعليه أكثر أهل العلم لوجوه ذكروها في كتبهم أو جنة في السماء هبطا منها أو جنة في الأرض كانت مرتفعة على سائر بقاع الأرض ذات أشجار، وأثمار وظلال ونعيم ونضرة وسرور أعدها الله لهما، وجعلها دار ابتلاء، وعليه بعض المحققين من أهل الظاهر والباطن، لأنه كلف فيها أن لا يأكل من تلك الشجرة ولا تكليف في الجنة الجزائية، ولأنه نام فيها وأخرج منها ودخل عليه إبليس فيها ولا نوم في الجنة ولا خروج بعد الدخول ولا يجوز دخول الشيطان فيها بعد الطرد والإخراج ولقول قابيل : أنا من أولاد الجنة كما لا يخفى، ولما روي أن آدم لما احتضر اشتهى قطفاً من عنب الجنة فانطلق بنوه ليطلبوه فلقيتهم الملائكة، فقالوا أين تريدون يا بني آدم؟ فقالوا : إن أبانا اشتهى قطفاً من عنب الجنة، فقالوا لهم : ارجعوا فقد كفيتموه فانتهوا إليه فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفونه وصلى عليه جبرائيل وبنوه خلف الملائكة ودفنوه وقالوا هذه سنتكم في موتاكم قالوا : فلولا أن الوصول إلى الجنة التي كان فيها آدم التي اشتهى منها القطف كان ممكناً لما ذهبوا يطلبون ذلك فدل على أنها في الأرض لا في السماء، وقد ثبت أن النيل يخرج من الجنة ولا شك أنها من جنان الأرض وبساتينها والله أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٤