فلما أصابا الخطيئة نزع ذلك عن بدنهما وبقى عند رؤوس الأصابع، تذكيراً لما فات من النعم وتجديداً للندم، وقيل : كان لباسهما نوراً يحول بينهما وبين النظر إلى حد البدن، وقيل : كان حلة من حلل الجنة.
﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ﴾ أي : أخذا يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة.
﴿عَلَيْهِمَا﴾ أي : على بدنهما أو على سوءاتهما من قبيل صغت قلوبكما في التعبير عن المثنى بالجمع لعدم التباس المراد، فجاز أن يرجع إليه ضمير التثنية ﴿مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾ قيل : كان ذلك ورق التين ولم يستره من الشجر إلا شجر التين، فقال الله تعالى "كما سترت آدم أخرج منك المعنى قبل الدعوى" وسائر الأشجار يخرج منها الدعوى قبل المعنى، فلهذه الحكمة يخرج ثمر سائر الأشجار في كمامها أولاً، ثم تظهر الثمرة من الكمام ثانياً وشجرة التين أول ما يبدو ثمره يبدو بارزاً من غير كمام.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٤
وفي الآية.
دليل على أن كشف العورة قبيح من لدن آدم عليه السلام، ألا ترى أنهما كيف بادرا إلى الستر لما تقرر في عقلهما من قبح كشف العورة.
﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ﴾ مالك أمرهما بطريق العتاب والتوبيخ يحتمل أن يكون ذلك بأن أوحى إليهما بواسطة الملك ذلك الكلام أو بأن ألهمهما ذلك في قلبهما، قيل : كانت بهذا العتاب أشد عليهما من كل محنة أصابتهما ﴿أَلَمْ أَنْهَكُمَا﴾ وهو تفسير للنداء فلا محل له من الإعراب.
﴿عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ﴾ عطف على أنهكما، أي ألم أقل لكما، ﴿إِنَّ الشَّيْطَـانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ إشارة إلى قوله تعالى :﴿إِنَّ هَـاذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾ (طه : ١١٧) ولكما متعلق بعدو لما فيه من معنى الفعل ـ ـ روي ـ ـ أن الله تعالى قال لآدم :"ألم يكن فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة؟ فقال : بلى وعزتك ولكن ما ظننت أن أحداً من خلقك يحلف بك كاذباً، قال فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض، ثم لا تنال العيش إلا كداً" فأهبط وعلم صنعة الحديد وأمر بالحرث فحرث وسقى وحصد وداس وذرى وطحن وعجن وخبز.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٤
﴿قَالا﴾ اعترافاً بالخطيئة وتسارعاً إلى التوبة.
﴿رَبَّنَآ﴾ أي : يا ربنا.
﴿ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا﴾ أي : ضررناها بالمعصية وعرضناها للإخراج من الجنة ﴿وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا﴾ تستر علينا ذنبنا ﴿وَتَرْحَمْنَا﴾ بقبول توبتنا.
﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَـاسِرِينَ﴾ أي : الهالكين الذين باعوا حظهم في الآخرة بشهوة ساعة، وهو دليل على أن الصغائر معاقب عليها إن لم تغفر والمغفرة مشكوك فيها، فكان ذنب آدم صغيرة لأنه لم يأكل من الشجرة قصداً لمخالفة حكم الله تعالى بل إنما أكل بناء على مقالة اللعين حيث أورثت فيه ميلاً طبيعياً، ثم إنه كفّ نفسه عنه مراعاة لحكم الله إلى أن نسي ذلك وزال المانع عن أكله فحمله طبعه عليه، ولأنه إنما أقدم عليه بسبب اجتهاد أخطأ فيه فإنه ظن أن النهي للتنزيه، أو أن الإشارة في قوله :﴿وَلا تَقْرَبَا هَـاذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ إلى عين تلك الشجرة فتناول من غيرها من نوعها وقد كان المراد بها الإشارة إلى النوع كما روي أنه عليه السلام أخذ حريراً وذهباً بيده وقال :"هذان حرامان على ذكور أمتي حلّ لإناثها".
﴿قَالَ﴾ الله تعالى ﴿اهْبِطُوا﴾ خطاب لآدم وحواء وذريتهما أولهما ولإبليس ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ جملة حالية من فاعل اهبطوا، أي : متعادين فطبع إبليس عن العداوة، كطبع العقرب على اللّدغ والذئب على السلب، فعادى آدم لذهاب رياسته بين الملائكة بسبب خلافة آدم، وأمرنا بمعاداة إبليس لأن الابن يعادي عدو أبيه.
﴿وَلَكُمْ فِى الارْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾ (قرار كاهى وآرام جايى).
﴿وَمَتَـاعٌ﴾
١٤٦
أي : تمتع وانتفاع ﴿إِلَى حِينٍ﴾ هو حين انقضاء آجالهم فاغتم آدم وظن أنه لا يرجع الجنة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٦
﴿قَالَ﴾ الله تعالى ﴿فِيهَا تَحْيَوْنَ﴾ أي : في الأرض تعيشون ﴿وَفِيهَا تَمُوتُونَ﴾ وتقبرون ﴿وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ﴾ للجزاء فعلم آدم من مضمون هذا الخطاب أنه يعود إلى الجنة فصار متسلياً بفضل الله تعالى ووعده.
قال الإمام القشيري : ونعم ما قال : أصبح آدم عليه السلام محسود الملائكة مسجوداً لكافتهم على رأسه تاج الوصلة، وعلى جسده لباس الكرامة، وفي وسطه نطاق القربة، وفي جيده قلادة الزلفى لا أحد من المخلوق فوقه من الرتبة، ولا شخص مثله في الرفعة يتوالى عليه النداء كل لحظة يا آدم فلم يمس حتى نزع عنه لباسه وسلب استئناسه، وتبدل مكانه وتشوش زمانه فإذا كان شؤم معصية واحدة على من أكرمه الله بكل كرامة هكذا فكيف شؤم المعاصي الكثيرة علينا انتهى.
قال الحافظ :
ه كونه دعوىء وصلت كنم بجانكه شدست
سم وكيل قضا ودلم ضمان فراق
وقضاء الله تعالى يجري على كل أحد نبياً كان أو ولياً.
نه من ازرده تقوى در افتادم وبس