ولقى يحيى بن زكريا إبليس في صورته أيضاً، فقال له : أخبرني من أحبّ الناس إليك وأبغض الناس إليك، فقال : أحبّ الناس إليّ المؤمن البخيل، وأبغضهم إليّ الفاسق السخي قال يحيى : وكيف ذلك؟ قال لأن البخيل قد كفاني بخله والفاسق السخي أتخوف أن يطلع الله عليه في سخاه فيقبله ثم ولّى، وهو يقول لولا أنك يحيى لم أخبرك كذا في "آكام المرجان في أحكام الجان".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٧
﴿وَإِذَا فَعَلُوا﴾ أي : كفار قريش.
﴿فَـاحِشَةً﴾ أي : فعلة متناهية في القبح كعبادة الصنم وكشف العورة في الطواف ونحوهما.
﴿قَالُوا﴾ جواباً للناهين عنها محتجين على حسنها بأمرين الأول تقليد الآباء وهو قولهم :﴿وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ﴾ والثاني الافتراء على الله، وهو قولهم :﴿وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا﴾ فأعرض الله تعالى عن رد احتجاجهم الأول لظهور فساده، فإن التقليد لا يعتبر دليلاً على صحة الفعل الذي قام الدليل على بطلانه، وإن كان معتبراً في غيره ورد الثاني بقوله :﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ﴾ لأن عادته تعالى جرت على الأمر بمحاسن الأفعال والحث على مكارم الخصال.
﴿أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ إنه أمركم بذلك، وذلك لأن طريق العلم إما السماع من الله تعالى.
ابتداء : أي : من غير توسط رسول يبلغهم أن الله تعالى أمرهم بذلك وانتفاؤه ظاهر، وإما المعرفة بواسطة الأنبياء : وهم ينكرون نبوة الأنبياء على الإطلاق، فلا طريق لهم إلى العلم بأحكام الله تعالى فكان قولهم والله أمرنا بها قولاً على الله بما لا يعملون، وهو أي : قوله ﴿أَتَقُولُونَ﴾ من تمام القول المأمور به والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه.
والإشارة في الآية أن الفاحشة طلب الدنيا وحبها والحرص على جمعها فإن أفحش الفواحش حب الدنيا لأنه رأس كل خطيئة، والمعنى إذا وقع أهل الغفلة في طلب الدنيا وزينتها
١٥١
والتمتع بها بتلقين الشياطين وتدبيرهم وتزيينهم، فيدعوهم داع إلى الله وطلبه وترك الدنيا وطلبها.
﴿قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَآ ءَابَآءَنَا﴾ أي : على محبة الدنيا وشهواتها.
﴿وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا﴾ أي : بطلبها بالكسب الحلال.
﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ﴾ أي : لا يأمر بحب الدنيا والحرص على جمعها وإنما يأمر بالكسب الحلال بقدر الحاجة الضرورية لقوام القالب بالقوة، واللباس ليقوم بأداء حق العبودية.
﴿أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ أي : تفترون على الله ما لا تعلمون آفته ولاوبال عاقبته ولا تعلمون أن ذلك من فتنة الشيطان وتزيينه وإغوائه كذا في "التأويلات النجمية".
وفي "المثنوي" :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٧
اين جهان جيفهاست ومردار رخيص
برنين مردار ون باشم حريص
﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾ بيان للمأمور به إثر نفي ما أسند إليه أمره به تعالى من الأمور المنهي عنها، والقسط العدل وهو الوسط من كل شيء المتجاوز عن طرفي الإفراط والتفريط وفي الخبر "خير الأمور أوساطها".
توسط إذا ما شئت أمراً فإنه
كلا طرفي قصد الأمور ذميم ﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ﴾ معطوف على أمر بتقدير قل لئلا يلزم عطف الإنشاء على الأخبار، أي وقل : لهم توجهوا إلى عبادته مستقيمين غير عادلين إلى غيرها أو أقيموا وجوهكم نحو القبلة.
﴿عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ يحتمل أن يكون اسم زمان، وأن يكون اسم مكان أي في كل وقت سجود أو مكان سجود والمراد بالسجود الصلاة بطريق ذكر الجزء وإرادة الكل.
وقال الكلبي : معناه إذا حضرت الصلاة وأنتم في مسجد فصلوا فيه، ولا يقولن أحدكم أصلي في مسجدي، وإذا لم يكن عند مسجد فليأت أي مسجد شاء وليصل فيه.
وفي الفروع : مسجد المحلة أفضل من الجامع إذا كان الإمام عالماً، ومسجد المحلة في حق السوقي نهاراً ما كان عند خانوته نهاراً وليلاً ما كان عند منزله.
قال الحدادي : وهذه الآية تدل على وجوب فعل الصلاة المكتوبة في الجماعة، وفي الحديث :"من سمع النداء فلم يجبه فلا صلاة له إلا من عذر".
وصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، وذلك لأن كل صلاة أقيمت في الجماعة كصلاة يوم وليلة إذا أقيمت بغير جماعة، لأن فرائض اليوم والليلة سبع عشرة ركعة والرواتب عشر فالجميع سبع وعشرون.
قال العلماء : كل ما شرعت فيه الجماعة كالفرائض والتراويح ونحوهما فالمسجد فيه أفضل من ثواب المصلين في البيت بالجماعة ؛ لأن فيه إظهار شعائر الإسلام كما أن ثواب المصلين في البيت وحداناً دون ثواب المصلين في البيت بالجماعة.
﴿وَادْعُوهُ﴾ أي : واعبدوه فهو من إطلاق الخاص على العام فإن الدعاء من أبواب العبادة، وهو الخضوع للباري مع إظهار الافتقار والاستكانة وهو المقصود من العبادة والعمدة فيها.
﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ أي : الطاعة فإن مصيركم إليه في الآخرة.
فردا كه يشكاه حقيقت شود بديد
شر منده رهروى كه عمل بر مجاز كرد


الصفحة التالية
Icon