﴿كَمَا بَدَأَكُمْ﴾ أي : أنشأكم ابتداء ﴿تَعُودُونَ﴾ إليه بإعادته فيجازيكم على أعمالكم والكاف في محل النصب على أنه صفة مصدر محذوف، تقديره تعودون عوداً مثل ما بدأكم وهو بالهمزة بمعنى
١٥٢
أنشأ واخترع وإنما شبه الإعادة بالإبداء تقريراً لإمكانها والقدرة عليها، يعني : قيسوا الإعادة بالإبداء فلا تنكروها فإن من قدر على الإنشاء قدر على الإعادة ؛ إذ ليس بعثكم أشد من ابتداء خلقكم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٧
﴿فَرِيقًا﴾ منصوب بما بعده ﴿هُدًى﴾ بأن وفقهم للإيمان ﴿وَفَرِيقًا﴾ نصب بفعل مضمر يفسره ما بعده من حيث المعنى، أي وأضل فريقاً.
﴿حَقَّ عَلَيْهِمُ﴾ (سزاوار كشت برايشان).
﴿الضَّلَـالَةُ﴾ بمقتضى القضاء السابق التابع للمشيئة المبنية على الحكم البالغة.
﴿إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَـاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ تعليل لما قبله، أي : حقت عليهم الضلالة لاتخاذهم الشياطين أولياء وقبولهم ما دعوا إليه بدون التأمل في التمييز بين الحق والباطل وكل واحد من الهدى والضلال، وإن كان يحصل بخلق الله تعالى إياه ابتداء إلا أن يخلق ذلك حسبما اكتسبه العبد وسعى في حصوله فيه.
﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴾ أي : يظنون أنهم على الهدى، وفيه دلالة على أن الكافر المخطىء المعاند سواء من حيث أنه تعالى ذم المخطىء الذي ظن أنه في دينه على الحق بأنه حق عليه الضلالة، وجعله في حكم الجاحد والمعاند فعلم منه أن مجرد الظن والحسبان لا يكفي في صحة الدين، بل لا بد فيه من الجزم واليقين لأنه تعالى ذم الكفار بأنهم يحسبون أنهم مهتدون ولو كفى مجرد الحسبان فيه لما ذمهم بذلك.
فعلى العاقل تحصيل اليقين وترك التقليد والاقتداء بأصحاب التحقيق والتوحيد فإن المرء لا يعرف حاله ومقامه إلا بالتعريف.
ونعم ما قال الصائب :
واقف نميشوند كه كم كرده ندراه
تا رهروان براهنمايى نمى رسند
وكل واحد من التقليد الباطل والشك والرياء وحبّ الدنيا وحبّ الخلق مذموم لا يجدي نفعاً.
وعن ذي النون رضي الله عنه قال : بينما أنا في بعض جبال لكان إذا برجل قائم يصلي والسباع حوله ترتبض، فلما أقبلت نحوه نفرت عنه السباع، فأوجز في صلاته وقال : يا أبا الفيض لو صفوت لطلبتك السباع وحنت إليك الجبال، فقلت ما معنى قولك لو صفوت؟ قال تكونخالصاً حتى يكون لك مريداً قال : فقلت فبِمَ الوصول إلى ذلك؟ قال : لا تصل إلى ذلك حتى تخرج حب الخلق من قلبك كما خرج الشرك منه، فقلت هذا والله شديد علي، فقال : هذا أيسر الأعمال على العارفين فولاية الخلق مطلقاً إذا كانت سبيلاً للضلالة فما ظنك بولاية الشياطين سواء كانوا شياطين الإنس أو شياطين الجن، فلا بد من محبة الله تعالى، فويل لمن جاوز محبة الله تعالى إلى محبة ما سواه، وقد ذمه الله بقوله : من دون الله نسأل الله تعالى أن لا يزيغ قلوبنا بعدما هدانا إلى محبته وأرشدنا إلى طريق طاعته وعبادته.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٧
يا بَنِى ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الزينة وإن كانت اسماً لما يتزين به من الثياب الفاخرة إلا أن المفسرين أجمعوا على أن المراد بالزينة ههنا الثياب التي تستر العورة استدلالاً بسبب نزول الآية، وهو أن أهل الجاهلية من قبائل العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة، وقالوا لا نطوف في ثياب أصبنا فيها الذنوب ودنسناها بها، فكان الرجال يطوفون بالنهار والنساء بالليل عراة فأمرهم الله تعالى أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعروا عند كل مسجد سواء دخلوه للصلاة أو للطواف وكانوا قبل ذلك يدعون ثيابهم وراء المسجد عند قصد الطواف.
وفي "تفسير الحدادي" : كانوا
١٥٣
إذا قدموا منى طرح أحدهم ثيابه في رحله فإن طاف وهي عليه ضرب وانتزعت منه، وكانت المرأة تطوف بالليل عريانة إلا أنها كانت تتخذ سيوراً مقطعة تشدها في حقويها فكانت السيور لا تسترها ستراً تاماً.
وهذه الآية، أصل في وجوب ستر العورة في الصلاة، والمعنى خذوا ثيابكم لمواراة عورتكم عند كل مسجد لطواف أو صلاة.
قال شيخ الإسلام خواهر زاده : فيه دليل على أن اللبس من أحسن الثياب مستحب حالة الصلاة ؛ لأن المراد من الزينة الثوب بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب انتهى، فأخذ الثوب واجب ولباس التجمل مسنون، وكان أبو حنيفة رحمه الله اتخذ لباساً لصلاة الليل وهو قميص وعمامة ورداء وسراويل قيمة ذلك ألف وخمسمائة درهم يلبسه كل ليلة ويقول التزينتعالى أولى من التزين للناس.
قال الفقهاء : ولا اعتبار لستر الظلمة لأن الستر وجب لحق الصلاة وحق الناس.
وفي "التفسير الفارسي" :(كفته اند بزبان علم ستر عورتست براى نماز وبزبان كشف حضور دلست براى عرض راز.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٣
ذوق طاعت بي حضور دل نيابد هيكس
طالب حق را دل حاضر برين دركاه بس


الصفحة التالية
Icon