وهي الكبائر ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ بدل من الفواحش، أي : جهرها وسرها كالكفر والنفاق وغيرهما ﴿وَالاثْمَ﴾ أي : ما يوجب الإثم وهو يعم الصغائر والكبائر ﴿وَالْبَغْىَ﴾ أي : الظلم أو الكبر أفرده بالذكر مع دخوله في الإثم للمبالغة في الزجر عنه.
﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ متعلق بالبغي مؤكد له ؛ لأن البغي لا يكون بالحق.
﴿وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ﴾ معطوف على مفعول حرم، أي : وحرم عليكم إشراككم به تعالى ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ﴾ أي : بإشراكه وعبادته.
﴿سُلْطَـانًا﴾ أي : حجة وبرهاناً وهوتهكمٌ بالمشركين ؛ لأنه إذا لم يجز إنزال البرهان بالإشراك كان ذكر ذلك تهكماً بهم واستهزاء ومعلوم أنه لا برهان عليه حتى ينزل.
﴿وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ بالإلحاد في صفاته والافتراء عليه كقولهم والله أمرنا بها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٣
وفي "التأويلات النجمية" : الفواحش ما يقطع على العبد طريق الرب ويمنعه عن السلوك ففاحشة العوام ما ظهر منها ارتكاب المناهي وما بطن خطورها بالبال، وفاحشة الخواص ما ظهر منها ما لأنفسهم نصيب فيه ولو بذرة، وما بطن الصبر عن المحبوب ولو بلحظة، وفاحشة الأخص ما ظهر منها ترك أدب من الآداب أو التعلق بسبب من الأسباب، وما بطن منها الركون إلى شيء من الدارين والالتفات إلى غير الله من العالمين، والإثم هو الإعراض عن الله ولو طرفة عين والبغي هو حب غير الله فإنه وضع في غير موضعه وأن تشركوا بالله يعني : وأن تستعينوا بغير الله ما لم ينزل به سلطاناً، أي : ما لم يكن لكم به حجة ورخصة من الشريعة المنزلة، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون أي وأن تحكموا بفتوى النفس وهواها أو تقولوا بنظر العقل على الله ما لا تعلمون حقيقته وفيه معنى آخر، وأن تقولوا في معرفة الله وبيان أحوال السائرين، وشرح المقامات وإثبات الكرامات ما أنتم عنه غافلون ولستم به عارفين انتهى، ثم هدد الله المشركين المكذبين للرسل بقوله :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٣
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ﴾ من الأمم المهلكة ﴿أَجَلٌ﴾ حد معين من الزمان مضروب لمهلكهم.
﴿فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ﴾ الضمير لكل أمة خاصة حيث لم يقل آجالهم، أي : إذا جاءها أجلها الخاص بها والوقت المعين لنزول عذاب الاستئصال عليها.
﴿لا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ عن ذلك الأجل.
﴿سَاعَةِ﴾ أي : شيئاً قليلاً من الزمان فإنها مثل في غاية القلة منه، أي لا يتأخرون أصلاً وصيغة الاستفعال للإشعار بعجزهم وحرمانهم من ذلك مع طلبهم له ﴿وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ أي : لا يتقدمون عليه.
اجل ون فردا آيدت يش وس
يش وس نكذاردست يكنفس
روي أن بعض الملوك كان متنسكاً ثم رجع ومال إلى الدنيا ورياسة الملك وبنى داراً وشيدها وأمر بها ففرشت ونجدت، واتخذ مائدة ووضع طعاماً ودعا الناس فجعلوا يدخلون عليه ويأكلون ويشربون وينظرون إلى بنائه ويتعجبون من ذلك، ويدعون له وينصرفون فمكث بذلك أياماً ثم جلس هو ونفر من خاصة أصحابه، فقال : قد ترون سروري بداري هذه وقد حدثت نفسي أن أتخذ لكل واحد من أولادي مثلها فأقيموا عندي أياماً أستأنس بحديثكم، وأشاوركم فيما أريد من هذا البناء فأقاموا عنده أياماً يلهون ويلعبون ويشاورهم كيف يبني وكيف يصنع ويرتب ذلك فبينما هم ذات ليلة في لهوهم إذ سمعوا قائلاً من أقصى الدار يقول :
يا أيها الباني الناسي لميتته
لا تأمنن فإن الموت مكتوب
١٥٧
هذي الخلائق إن سروا وإن فرحوا
فالموت حتف لدى الآمال منصوب
لا تبنين دياراً لست تسكنها
وراجع النسك كيما يغفر الحوب ففزع لذلك وفزع أصحابه فزعاً شديداً وراعهم فقال هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا : نعم قال : فهل تجدون ما أجد؟ قالوا : وما تجد قال : مسكة على فؤادي وما أراها إلا علة الموت، فقالوا : كلا بل البقاء والعافية، فبكى ثم أمر بالشراب فأهريق وبالملاهي فأخرجت، أو قال فكسرت وتاب إلى الله سبحانه ولم يزل يقول الموت الموت حتى خرجت نفسه رحمه الله.
قال السعدي :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٧
خواجه دربند نقش ايوانست
خانه از اي بست ويرانست
وقال :
آنكه قرارش نكرفتى وخواب
تاكل ونسرين نفشاندى نخست
كردش كيتي كل رويش بريخت
خاربنان بر سرخا كش برست
والإشارة ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ﴾ أي : لك قوم من السائرين إلى الله وإلى الجنة وإلى النار مدة معلومة ومهلة موقتة.
﴿فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ﴾ مدتهم كما قدر الله في الأزل ﴿لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةًا وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ هذا وعد للأولياء استمالة لقلوبهم ووعيد للأعداء سياسة لنفوسهم كذا في "التأويلات النجمية".


الصفحة التالية
Icon