﴿وَنَادَى أَصْحَـابُ الْجَنَّةِ أَصْحَـابَ النَّارِ﴾ سروراً بحالهم وشماتة بأصحاب النار وتحسيراً لهم لا لمجرد الإخبار بحالهم والاستخبار عن حال مخاطبهم، ووجه تيسر المناداة والمكالمة بين أهل الجنة وأهل النار مع أن بعد ما بين الجنة والنار لا يعلم مقداره إلا الله تعالى ؛ إذ كل درجة من درجات الجنان يقابلها درجة من دركات النيران، فأي درجة فيها العامل بسبب عمله يستحق تارك ذلك العمل بسبب تركه إياه دركة من دركات الجحيم فيكون أهل الدرجة مشرفاً على أهل الدركة التي تقابلها، كما قال تعالى :﴿فَاطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِى سَوَآءِ الْجَحِيمِ﴾ (الصافات : ٥٥) فأمكن لهم تقريع أهل النار وتحسيرهم بقولهم :﴿ءَانٍ﴾ تفسيرية للمنادى له لأن النداء في معنى القول أو مخففة.
﴿قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا﴾ من الثواب والكرامة ﴿حَقًّا﴾ بالفارسية
١٦٤
(راست ودرست) ﴿فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ﴾ من العذاب، والوعد يستعمل في الخير والشر، ﴿حَقًّا﴾ حذف المفعول من الفعل الثاني حيث لم يقل ما وعدكم كما قال : ما وعدنا إسقاطاً لهم عن رتبة التشريف بالخطاب عند الوعد.
﴿قَالُوا نَعَمْ﴾ أي : وجدناه حقاً فاعترفوا في وقت لا ينفعهم الاعتراف : ولذا قيل :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦٤
كنون بايد اي خفته بيدار بود
و مرك اندر آرد زخوابت ه سود
تويش از عقوبت در عفو كوب
كه سودى ندارد فغان زير وب
﴿فَأْذَن﴾ (س آواز دهد) ﴿مُؤَذِّنٌ﴾ (آواز دهنده) وهو ملك ينادي من قبل الله تعالى نداء يسمعه كل واحد من أهل الجنة وأهل النار، وقيل : هو صاحب الصور، أي : إسرافيل عليه السلام.
﴿بَيْنَهُمْ﴾ منصوب بأذن أي أوقع ذلك الأذان بين الفريقين أي في وسطهم.
﴿ءَانٍ﴾ تفسيرية لأن التأذين في معنى القول أو مخففة ﴿لَّعْنَةُ اللَّهِ﴾ استقرت ﴿عَلَى الظَّـالِمِينَ﴾ أي : على الكافرين دون المؤمنين ؛ لأن الظلم إذا ذكر مطلقاً يصرف إلى الكمال، وكمال الظلم هو الشرك وهو إخبار، وقيل : هو ابتداء لعن منه عليهم.
﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ﴾ يعرضون فهو لازم لأن جعله متعدياً بمعنى يمنعون الناس محوج إلى تقدير المفعول ولا يصار إليه من غير ضرورة.
﴿عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي عن الدين الذي هو طريق الله إلى جنته، والسبيل الطريق وما وضح منه كذا في "القاموس" :﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ أي : يبغون لها عوجاً بأن يصفوها بالزيغ والميل عن الحق وهي أبعد شيء منهما.
﴿وَهُم بِالاخِرَةِ كَـافِرُونَ﴾ جاحدون بالبعث بعد الموت فلما كان الظالمين بمعنى الكافرين كانت الأوصاف الجارية عليه من قبيل الصفات المؤكدة، فإن الظالم وصف في الآية بثلاث صفات مختصة بالكفار، الأولى : كونهم صادين معرضين عن سبيل الله، والثانية : كونهم طالبين إمالة سبيل الله ودينه الحق وتغييره إلى الباطل بإلقاء الشكوك والشبهات في دلائل حقيته، والثالثة : كونهم منكرين للآخرة مختصين بهذا الوصف وكل واحدة من هذه الصفات الثلاث مقررة لظلمهم بمعنى الكفر.
والإشارة ﴿وَنَادَى أَصْحَـابُ الْجَنَّةِ﴾ أي : أرباب المحبة ﴿أَصْحَـابِ النَّارِ﴾ يعني : نار القطيعة ﴿أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا﴾ أي فيما قال "ألا من طلبني وجدني" ﴿فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا﴾ أي فيما قال :"ومن يطلب غيري لم يجدني" ﴿قَالُوا نَعَمْ﴾ فأجابوهم بلى وجدناه حقاً ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُ﴾ العزة والعظمة بينهم ﴿أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّـالِمِينَ﴾ الذين وضعوا استعداد الطلب في غير موضع مطلبه وصرفوه في غير مصرفه.
﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ﴾ أي : وهم الذين يصدون القلب والروح.
﴿عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وطلبه.
﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ أي : يصرفون وجوههم إلى الدنيا وما فيها ﴿وَهُم بِالاخِرَةِ كَـافِرُونَ﴾ أي : وهم ينكرون على أهل المحبة فيما يطلبون مما تأخر من حسهم وهم يطلبون ما يدركون بالخواس الظاهرة دون ما في الآخرة كذا في "التأويلات النجمية" فالناس على مراتب بحسب إقرارهم وإنكارهم وسلوكهم وقعودهم.
وفي "المثنوي" :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦٤
كودكان كره بيك مكتب درند
در سبق هريك زيك بالاترند
خود ملائك نيز تاهمتا بدند
زين سبب بر آسمان صف صف شدند
١٦٥
فعلى السالك الاجتهاد في طلب الحق إلى ظهور كنز الحقيقة فإن المطلب الأعلى عند من يميز النقد الجيد من النبهرج والزيوف.


الصفحة التالية
Icon